من يتحمَّل الكلفة الباهظة..؟
عُمق الأزمة السياسية بالبلاد وتفاقُمها، يُعبِّر عنه أهل الجلد والرأس من أصحاب السلطة الحاليين قبل المعارضين، فخلال الأيام الفائتة صدرت عدة تصريحات وأقوال من ألسن مُؤيّدة للحكومة ومن غُلاة مُناصريها تنتقد وتُحذّر من خطورة الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد، وأنها ستؤدي إلى انفجار، وآخر هؤلاء الدكتور الشفيع خضر أول من أمس، في منتدى صحيفة “التيار”، ما قاله قادة الحُرية والتغيير ومخاوفهم من انفجار الأوضاع أو الثورة التصحيحية وتوقّعاتهم بخروج الشارع مرة أخرى، لم يقله أنصار النظام السابق ولا الدولة العميقة، قالوه هم واعترفوا به..! ومرد ذلك لسببين أساسيين يتلخّصان في الآتي:
أولاً: العجز والفشل الذي لازَم حكومة الحرية والتغيير وعدم قُدرتها وضمور كفاءتها في معالجة المشكلات الحقيقية التي أمامها، صَنَع حالة من الإحباط على مستويين أفقي جماهيري، تمثّل في السخط الشعبي الذي يتنامى كل يوم، ومستوى رأسي لأن القادة يعرفون بالمعلومات التي لديهم حالة الفشل والشلل الذي أصاب حكومتهم لقلة خبرتها وفقدان الإرادة السياسية القوية الفاعلة وإخفاقها في تحقيق أي من الوعود والأحلام التي مَنَّت بها الناس عند تكوينها، ولم تُحقِّق حتى اللحظة ولا تقدماً طفيفاً في مجال تحسين الأحوال المعيشية، ولا في ملف العلاقات الخارجية مثل ملفات الديون واستقطاب العون الخارجي ولا رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فمسؤوليات الحكومة الداخلية والخارجية نتيجتها صفرية حتى اللحظة، ومن المنطق أن لا تُحاسَب الحكومة على بضعة أشهر قليلات قَضَتها في السلطة، لكن لا يمكن التغاضي عن عدم وجود أية مؤشرات إيجابية أو خطوات مُشجّعة تبعث الأمل وتَستَنهِض الرَّجاء.
ثانياً: سعي الحكومة وحزبها إلى تعقيد الحياة السياسية بأخطاء فادحة كاستهداف الخصوم والانتقام والفصل التعسّفي لقيادات الخدمة المدنية دون مُبرِّر قانوني، وحل عدد كبير من المنظمات الطوعية الخدمية من دون سند ومُسوِّغ من القانون واللوائح المنظمة للعمل الإنساني، وكل ما تم يجيء فقط بروح التشفّي المنهزمة، وكأن ذلك هو الأولوية القصوى للحكومة، زاد هذا الصنيع المُستَقْبَح من الاحتقان السياسي وسيخلِق الاصطفاف السياسي المعارِض الذي بدأ يتشكّل وقوامه كل الأحزاب والتنظيمات خارج إعلان الحُرية والتغيير، بالإضافة إلى قوى اجتماعية أخرى، سيخلق أجواء مُكفهّرة للغاية تُنذِر بتصارعٍ واحترابٍ سياسيٍّ وحالة انقسام حادّة ربما تقود إلى ما لا يُحمد عقباه، وبمنطق الأشياء سيتصدّى معارضو (قحت) لها بنفس القوة وبفعل مُوازٍ بنفس القدر، وقد أعلنت أحزاب وقوى سياسية مثل المؤتمر الشعبي بعد اعتقال الدكتور علي الحاج أنها ستعمل على إسقاط الحكومة، وستُناهِض أمر اعتقاله، وآزرت المؤتمر الشعبي قوى سياسية أخرى، وقد تدخل على خط المؤازرة قوى وحركات مسلحة، الأمر الذي يُعطّل مسيرة وعملية السلام التي كانت مواقيت مواصلة جولاتها قريبة حتى عُدّ الاتفاقُ في متناول اليد.
فمن الذي سيتحمل الكلفة العالية للأخطاء السياسية وإبدال روح التصالُح والتسامُح بهذه الحالة الكالحة التي لن تزيد الجراح إلا نزيفاً، فمن هو صاحب المصلحة في هذه الحالة المُترّدية المُتداعِية إلى الهاوية..؟ إذا كانت بعض مُكوّنات الحرية والتغيير تستشعر خطورة ما يجري حولها وتُحذّر منه، وكُرة النار تكبر كل يوم حول الحكومة التي تقف عاجزة عن إبداع وابتكار الحلول الممكنة للمشكلات اليومية التي تُحيط بالمواطن من كل جانب، بينما تتنامى التوترات الأمنية في بعض الولايات، ونُذُر الانجرار إلى الصراعات القبلية تبدو في جنوب كردفان وكسلا بعد انفجارها في البحر الأحمر، وبعض الحركات المسلحة تتوعّد في دارفور، فهل تقوى الحرية والتغيير على مواجهة كل هذه التحديات بعقليتها الغارقة في تضخيم الذات والانتفاش الكاذب وفش الغبينة السياسية، وفي ذات الوقت تتآمر ضد حلفائها الآخرين وهُم صُنّاع التحوّل الحقيقيين من العسكريين وخاصة قوات الدعم السريع..؟؟