الأمل والطموح والسعي لتنمية القدرات وتوجيه الطاقات هو ما يمنح القدرة على صناعة التميز واستثارة للأفعال والتغلب على عناصر الفشل وتحويلها إلى نجاحات.
يوم السبت المنصرم قدم لي رئيس مجلس إدارة صحيفة “المستقلة” الأستاذ علي حمدان الدعوة لزيارة مصنع المدينة المنورة لصناعة السيراميك والبورسلين بمنطقة الجيلي شمال بحري ضمن ثلة من رؤساء تحرير الصحف وكُتّاب الأعمدة ومديري الأجهزة الإعلامية، وقد استقلينا حافلة واحدة إلى تلك المساحات المفتوحة.. صعدت إلى متن السيارة ولم أتخيّل ذلك، عظم ذلك الصرح الاقتصادي الباذخ.
أثناء الرحلة تبادلنا كثيراً من الحديث المُتداخل ما بين السياسة والاقتصاد والاجتماع، وقد أتحفنا المستشار الصحفي للرىيس الأسبق الأستاذ محجوب فضل بدري بشهي الحكايات والروايات الشيقة والجاذبة التي يخرجها وهو يتمتّع بتوجه وصفاء ذهني ممتاز وإيجابي، سيما روايات اللحظات الأخيرة للإنقاذ وهو من شهود ميلادها الأول قبل ثلاثين عاماً، واكتمل شهي الحديث بشعر وأدب الزميلة الراقية مشاعر عثمان ورباعيات الزميلة الصحفية حياة حميدة، استكملت بروايات مالك ومؤسس مصنع المدينة للسيراميك الهادي حسن الفاضل الرجل المتفائل والمُتواضع، ذو التكوين الاجتماعي الهجين ما بين أم دوم بشرق النيل وبربر بنهر النيل، مالك شركة عكرمة لسيراميك رأس الخيمة سابقاً الذي أسرنا شغفاً وكيف وسّعه وهو رجل لم يكمل تعليمه النظامي، وبلا استشاري هندسي، وبدون بيت خبرة فني أن يؤسس ذلك الصرح الاقتصادي الفسيح.
حقاً الرجل ضاعف قناعتنا بأن كل شئ ممكن يكون إذا تحلى صاحبه بالإرادة وتوجُّه الذهن الإيجابي والنظر للأمور والتحديات على نحوٍ مُختلفٍ بواقعية تؤمن بأنّ المشكلات موجودة، وتفاؤل حاضرٍ يتجاوزها في مناخ الأعمال، ولم يترك للمشاعر السلبية أن تتملك روحه.
بَدَأ الهادي سَرد الروايات المُبهجة وقال: بدأ خَط الإنتاج الأول لمصنع المدينة المنورة للسيراميك إنتاجه ليُغطِّي رُبع حاجة البلاد من السيراميك، ويُعد مُصنع المدينة المنورة هو الأول من نوعه في أفريقيا من حيث التقنية الإيطالية الحديثة وبلغت تكلفة تأسيسه (40) مليون دولار بتمويل من بنكي (فيصل والمال المتحد) لإنتاج 360 ألف متر مربع شهرياً واستمرت فترة إنشائه عامين بالكمال.
وقال السيد الهادي حسن الفاضل مالك المصنع، إنّ عمليات الإنتاج بدأت في اليوم الأول من الشهر الحالي، مشيراً إلى أن خط الإنتاج الثاني سيدخل دائرة الإنتاج في مارس من العام القادم ليبلغ الإنتاج الكلي للمصنع 720 ألف متر مربع شهرياً، وأوضح الفاضل أن تكلفة الإنتاج تبلغ 325 جنيهاً للمتر الواحد، وكشف عن مشاكل تواجه عمليات الإنتاج أجملها في ارتفاع كلفة الغاز، إذ يستهلك المصنع شهرياً غازاً بمبلغ (45) مليون جنيه سوداني، ومن ضمن المشكلات تذبذب انقطاع التيار الكهربائي، حيث تبلغ كلفة الغاز يومياً مليون ونصف المليون جنيه، بينما تصل تكلفة الكهرباء مليون جنيه في اليوم، وقال إنّ إنتاج المصنع الحالي يغطي 20% من احتياجات البلاد من السيراميك، وأوضح أنّ آليات المصنع مُستوردة من إيطاليا، مشيراً لاستيعاب المصنع في المرحلة الأولى لـ200 من العمالة، مبيناً أنّ من ميزات المصنع أنه يعمل بكل أنواع الطاقة (الغاز، الكهرباء، الفيرنس وزيوت الراجع).
ومن مُلاحظاتي في حديث الهادي، أنه لم يتوقّف عند المشكلات بقدر ما يُركِّز على جوهر الموضوع وهو رفعة اقتصاد البلاد، وأن البلاد بها خيرٌ كثيرٌ يحتاج إلى إرادة وإنسان واعٍ بأهميتها والحلول وليس مهموماً بالمشكلات.
كل من يستمع إلى مالك مصنع المدينة يكسب ثقة أكبر ويُشجِّعه على الإنجاز وصناعة الأعمال الكبيرة مهما بدأت صغيرة، فهو بدأ بوكيل لسيراميك رأس الخيمة، إلى شريك لمُلاك المصنع، ثُمّ إلى مُؤسِّس لمصانع مُشابهة داخل وخارج السودان، لأنّ الرجل يمتلك مصنعاً بذات المواصفات بالعاصمة القطرية الدوحة، وبغض النظر عن التحولات التي تشهدها البلاد وصراعات الشركاء السِّياسيين في الهادي، منحنا الشعور العام بأنّنا نملك حِصّة في نجاح مشروع حنبنيهو البنحلم بيهو بشراكتنا وعزائمنا.
الهادي يفعل ذلك كله دُون أن يُخصِّص لنفسه مكتباً يميزه عن العمال.. مُحتوى القول إنه شريك لهم في الصغيرة والكبيرة هدفه أن يستميلهم ويشجعهم وليس التفوّق عليهم.