تقعُ على عاتِق منظمات المجتمع المدني، مسؤولية كبيرة في قيادة وطرح مبادرات فاعلة وجادة من أجل سلامة المجتمع وإنقاذه من السقوط في هاوية الصراعات والنزاعات وأنهار الدماء التي تسيل كل يوم في أطراف البلاد وأصقاعها المختلفة، ولا فائدة من القطاعات الحيوية والاتحادات المختلفة والهيئات الشعبية إن لم تضطلع بواجباتها وتُسرع في جهودها كما تفعل السلطات والجهات الرسمية، وتُجاهد في لجم الفتن وتصون وتحقن دماء السودانيين وتحفظ العُرى الوثيقة بينهم، ونذكر هنا أنه في العام ٢٠١٥ عندما انفتق الرتق ودق عطر منشم بين قبيلتي الرزيقات والمعاليا في ولاية شرق دارفور، وراح جراء الصراع القبلي في تلك الأحداث أكثر من مائة نفس سودانية زكية من رجال ونساء وأطفال، ويومها تداعى الصحفيون السودانيون على مقر الاتحاد العام للصحفيين السودانيين، وقاد رؤساء تحرير الصحف اليومية مبادرة لوقف الحروب القبلية، وخرجت الصحف في اليوم التالي للاجتماع التاريخي بخطٍّ واحد هو ” لا للدماء”، وكان للأستاذ عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة “التيار” فضل طرح فكرة تلك المبادرة التي وجدت صدىً واسعاً لدى الرأي العام، وشجّعت قطاعات أخرى في المجتمع للتحرك، وجعلت الدولة ومؤسساتها تنشط وتجتهد وتعمل لفرض هيبة السلطة وسلطان الدولة..
بالأمس التقينا دون سابق ترتيب قيادات من الاتحاد العام للصحفيين واتحاد شعراء الأغنية واتحاد المهن الموسيقية وبعض الدراميين وأهل الإبداع المسرحي وممثلين عن الرياضيين، بغرض طرح مبادرة قومية أهلية من أحل إصلاح ذات البين ونزع فتيل الفتنة وكبح جماح النزاع القبلي في ولاية البحر الأحمر، وهي مبادرة تقوم على جهد مشترك بين هذه القطاعات لحقن دماء أهلنا في البحر الأحمر، وبعض مناطق الشرق الحبيب، ووأد الشقاق الذي أطلّ برأسه هناك، والإسهام مع كل الجهات والجهود الرسمية والشعبية في إعادة روح التسامُح والتعايُش ونبذ القبلية والفرقة بين السودانيين جميعاً، وإشاعة روح التعقل والتصالح بين أطراف الخلاف في البحر الأحمر وداخل مدينة بورتسودان والبحث عن الوسائل الكفيلة بعودة التصافي الاجتماعي والوئام الأهلي بين أهل الولاية التي أرهقتها الصراعات ورُوِيَت ذرّات ترابها بالدماء وانفرط فؤادها من الجراح النازفة.
تقوم المبادرة على محاور مختلفة وعمل على الأرض بإعادة إعمار الوجدان القومي بالفنون والآداب والكلمة الصادقة الناصحة وجعل الإبداع منارة يَهتدِي بها الباحثُ عن الطمأنينة والأمن والسلام، وتستطيع كل هذه القطاعات في مجالات الصحافة ووسائل الإعلام والفنانين والشعراء والأدباء والمفكرين ورموز المجتمع من الرياضيين والمثقفين ووجوه الحياة السودانية في مختلف ضروب الإبداع والفكر والثقافة، أن يقدموا لمجتمعهم مساهمة عالية القيمة والأثر في التواصُل مع رهطهم وأهلهم في البحر الأحمر ومناطق الشرق المُختلفة والنزول إلى أرض الواقع ليُعايشوا معهم همومهم ويتقاسموا معاً أحزانهم ويجدوا الحلول الجذرية معاً للأسباب التي قادت إلى الشعور السالب الصلد الذي دفع بهم إلى أتون النزاع المُمِيت.
وبإمكان هؤلاء بإبداعاتهم وأفكارهم وآرائهم السديدة وتأثيرهم المعنوي أن يلعبوا الدور الكبير في تهدئة الخواطرِ وجبرِ الضرر وإصلاح ما تمّ تخريبه داخل النفوس المغلوبة على أمرها، فروحُ الوطن تسري في خلايا كل سوداني مُحِبٍّ لبلده، تستثيرَه قيمُنا المُشتركة، وتستفز ضميرَه الأخطارُ التي يواجِهُها، فالسودان اليوم يقف على حافة السقوط إلى المجهول، ولن ينجو من الفِخاخ المنصوبة له، إلا بالوحدة والاتحاد ونسيان الخلافات وطي صفحات الكراهية والعنف.
هذه المبادرة ستكون مفتوحةً للجميع هدفها واحد وغاياتُها نبيلة لإدراك ما يُمكن إدراكه وإنقاذ ما يُمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، وجميعنا على ثقة أنه لو ضاع وطنُنا وتسرّب من بين أصابعِنا، فلن نجد وطناً نُغني على ربوعه ومُروجِه وترابه أو نبكي على صدره، لأنه كوطن يكون قد ضاع بالفعل وذهبت ريحُه..
يجب أن نملأ الساحات في كل مدن الشرق غِناءً وحُبّاً وشعراً وتسامِياً وكلمات، يجب أن نستنهِض روحَنا الحقيقيةَ كسودانيين، نُصافح بعضنا ونعذر بعضنا بعضاً، ننسى مرارات الماضي والحاضر، ونُنَظِّف قلوبنا من الغِلِّ والكراهية والحقد ونُنَقّي ثيابنا من لوثة الأحقاد والتباغُض وننطلق إلى الأمام.
سيكون دور الثقافة والصحافة والرياضة والآداب قوياً ونافِعاً فهذه الإبداعات ليست ترفاً ولا ترفِيهاً، هي الحقيقة في أعظم تجلّياتها وروح الإنسان في أسمى مراقِيها، ستنطلق القوافل والدعوات بمختلف الوسائل من أجل حفظ الأرواح وكرامة الإنسان وحقن دمه وحماية عرضه وطمأنينته وسلامه وعيشه، ندعو كل المنظمات والهيئات والمنظمات والاتحادات للانضمام لهذه المُبادرة، فكلُّنا في الهمِّ والآمالِ شرقُ..