العدل والانقلاب!!
أجد نفسي مع الباشمهندس الطيب مصطفى في حُجّته وهو يسألهم (العدل)..
هي قيمة لا تتجزا – كما قال- ولا يتصور أن عاقلاً يطلب أن نعطلها لزمن ما ومن ثم نعاود (المسار) ونعدل (التيار).. فكرة غاية في الغرابة، أن يتم التنظير للجور والضيم والتظالُم والبحث عن مُبرّرات لإحداث تلك الخروقات والتجاوز، حملاً للناس على قبول تلك الأوضاع المختلفة والمختلقة، وتخديرهم بعيداً عن ضمائرهم ووجدانهم السليم!! ولعلها تشابه فكرة:
(تعالوا نكفر ساعة)!!
أو فلنمارس الخيانة بعض الوقت!!
هي ليست معادلة كيمائية مأمونة العواقب مرجوّة النتائج..
التجاوزات والخروقات محتملة في كل تجربة إنسانية واختبار .. والاختيار عادة للناس ما بين إمعان النظر أو كف النظر عن تقييم حجم أضرار الضيم… وتلافي الوقوع في ظلام المظلمات من المسائل التقديرية الخاصعة لدرجات إيمان الناس بالعدالة وموقفهم منها، وحتى لو احتاجت (المصائر) تناسي (الضمائر) فسيلجأ (المتآمرون) أو (المُتنمّرون) وكل صاحب (أجندة خاصة) تلك المراوغات التاريخية، إما بإنكار (الحيف) أو الادعاء الكذوب بمعالجته كونه أمراً عارضاً غير مقصود.
لكن في الحالة السودانية ما بعد الثورة انفجرت (مواسير) الصرف الوجداني بلا تمهّل، وطفق بعض الذين كنا نظنهم قادتنا بادئ الرأي في جلب البينات والحجج والبراهين لغثبات مشروعية ذلك التجاوز وأهمية تلك الخروقات لإكمال طريق الثورة والمحافظة على مكتسباتها!!
أن يقول بعض العامة بفش الغبائن أمر متوقع، ويمكن معالجته ببث مزيد من الوعي.. فالناس في (عادياتهم) يخرقون الحدود ويطأون الفواصل باستمرار دون أن تمثل خروقاتهم رؤية جمعية، فهي في عداد (اللمم) الذي يزول عند إيماض المنابر وحضور أهل الرأي والفكر.. ولذا نتوجه إلى (أهل الذكر) ونثق في (علمائنا) للحد الذي نحيلهم فيه إلى ورثة للأنبياء!!
لكن أن تنصب المنابر وتدور المطابع بحديث (الرجرجة) وتمجيد صنائع
(الدهماء) فإنه تسفّل ما بعده تسفّل..
أضعف الإيمان ها هنا أن تصمت فلا تشاركهم موسم (فش الغبائن).. فإن كنت مريضاً بذات الداء فاستتر ولا تكتب كل ذلك القيح والسجم.. فما يتم نشره جريمة متعدية بما له من تأثير يتجاوز ذاتك التي تلج الشأن العام من مدخل (هلال مريخ).. فتغرق وتغرقنا في لجة الخصام المفضي (للدواس) القريبة لا محالة…
قول لي كيف؟!
حينما يتجاوز الناس في اقتضاء مظلمتهم ويتعسفون بعيدًا عما تعارَفوا عليه من مجارٍ وقنوات، فإن الأطراف الأخرى المغايرة ستلجأ إلى البحث بعيداً عن تلك القنوات والمجاري..
حينما تستخدم القانون على نحو خاطئ وسيئ فإنهم سيبتعدون عنه والشيطان قريب.. وما أشد خطراً على الأمم من استهداف الكيانات ومطاردتها على نحو جماعي. ستدافع الكيانات عن نفسها بعيداً عن أدواتك وستستحدث من الأساليب والوسائل المثير الخطر وبما لا طاقة لنا به!!.
قدّم (علي الحاج) قبل القبض عليه أوراق اعتماده كحكيم ومحكم لمتصابي (قحط)… (شكرهم ما خلى شي).. حتى إنه قال بلا حرقة إنه لا يمانع استمرار الفترة الانتقالية بلا دين ولا أخلاق شريطة الترتيب السريع لإشاعة السلام والانتقال السلس لمرحلة الصوت الانتخابي.. وعلي الحاج (أول السودان) الذي أبلى بلاء حسناً في موسمه السابق المعادي للإنقاذ، حتى أنه جعلها تتلوى تحت وخزاته وقصفه والمغارز.. أوجعهم وشل تفكيرهم في كثير من الملفات التي أدارها.. د. علي يعرف من أين وكيف توكل الكتف لذا قال متهكماً وأظنه محذراً:
(هو دا أول أول انقلاب؟!… ان شاء الله بس يكون آخر انقلاب)