فوبيا “النقد”.. ومطلوبات الفرصة!
ـ واهم من يظن أن نقد حكومة حمدوك، ومحاولة تقييم وتقويم مسارها، يعني دعوة مبطنة أو صريحة لعودة حكم الإنقاذ، فتلك فترة باتت في ذمة التاريخ، وقادتها الآن رهن المعتقلات بحكم قانون الطؤارئ.
ـ تنتظر الإنقاذ تشريح المراجعات والمقارنات، وينتظر قادتها ومن عمل معهم التقييم والعدل، فلهم وعليهم، كما هو الشأن في كل البشر، فهم ومن أتى بعدهم ليسوا بملائكة، ولم ولن تخلو حقبتهم من التجاوزات والخطايا والمظالم، كما لن تخلو من المكاسب والإنجازات، وعلى الميزان توزن الأعمال.
ـ الإنقاذ لم تكن نسخة واحدة لنصدر عليها حكماً بالجملة، هذا لمن أراد النظر الدقيق والمُستبصِر، فعشريتها الأولى القابضة والتى انتهت بالمفاصلة، لا تشبه عشريتها الثانية التى جاءت محمولة على انفتاح أكبر، مهّد لاتفاقية السلام الشاملة وبموجبها تغيّرت قواعد المعادلة السياسية في البلاد وحزم المعارضون حقائبهم تجاه الخرطوم.
ـ أما عشريتها الثالثة، فقد حملت من البسط والقبض السياسي ما حملت، ففيها الحوار الوطني واتفاقية دارفور للسلام، وفيها كذلك من قبض الحريات وتضييق العمل السياسي ما فيها، وأعقدها كان عُسر الاقتصاد وضيق معايش الناس تحت ظل ضغط العقوبات وانفصال الجنوب واستمرار الحرب.
ـ انتهت الإنقاذ في خواتيمها إلى عسكرة واسعة توطئة لمرحلة انتقالية حتى العام 2020م في محاولة لاحتواء غضب الشارع الشبابي وثورته، ولكن أقدار الله الغلّابة كانت أسرع… وهي الأنظمة كما الأفراد لها أعمارها المحدودة، حال تنقضي تذهب، لتبقى في ذمة التاريخ سؤالاً وعبرة، وفي محاكم الواقع .. بغضبه وثورته، وعدله وجوره، قصة ورواية، حتى إذا تباعدت الأيام وبات الهدوء أكثر حضوراً جاءت الفكرة للنظر بموضوعية وتأنٍّ.
ـ لا أظن أن عاقلاً يمكنه أن يقول بأن حكومة حمدوك إن فشلت فهذا يعني إمكانية استعادة الإنقاذ من جديد، ولا أرى من منطق لصك هذا التبرير إلا إذا كان محاولة لمنع الناس من نقد تجربة ماثلة أمامهم، عساها أن تنجو مما تغافل عنه من كان قبلهم، وتنجح في ما بشرت به من شعارات وقيم جاء وقت اختبار العمل بها والوفاء لها.
ـ ويقيني أنه لا الظرف الإقليمي ولا الدولي ولا الوطني يسمح للإسلاميين بالتفكير في العودة للحكم في السنوات الراهنة أو المقبلة القريبة، وهم مثلهم مثل الأحزاب يحتاجون لمراجعات وتراجعات حقيقية حتى يستطيعوا الإسهام في الحياة بفكر وكسب جديد.
ـ وفي سطور كراسة المراجعات في تجربة بلادنا السياسية لا بد من النظر في دور للقوات المسلحة في المشهد السياسي، وأنا لا أملك لهذا الدور توصيفاً شاملاً، لكنه في العموم لا يتجاوز دور الضامن والمساهم في استدامة الديمقراطية، وهنا يجب أن نقول إن لهذا المقترح أسباباً وجيهة مُستلة من تجربتنا السياسية، فمنها يجب أن تُستنبَت الحلول.
ـ ولن يكون لبلادنا من مستقبل إن لم نُشِع ثقافة التسامُح، والسعة في الفكر والسلوك، فشعارات وسلوك الثأر والانتقام لا تصدر إلا عن عقل عليل يريد أن يُشفي سخائم النفوس، ويطفئ غضبها وحنقها، لا عن من يريد أن يرسم خارطة خروج لبلادنا عن طريق العدالة والمصالحة.
ـ على رئيس المجلس السيادي، ورئيس مجلس الوزراء وإخوانهما أن يُحصّنوا المرحلة الانتقالية بالعدل والسماحة والمصالحة، وأن يتذكروا دائماً أن هذه البلاد لن يبنيها فريق واحد مهما أوتي من قدرات، وأن العدل لا يستثني خصماً أو مُخالفاً بل هو لهما قبل غيرهما.
إ إن لم يحملوا أنفسهم على هذه المعاني العزيزة في هذا التوقيت الصعب، ولم يتعاطوا مع مجريات الراهن بوعي القائد الاستثنائي فلا جديد يُنتظر، وستنقضي الأيام، وتمضي كما مضت من قبل، وتضيع الفرصة.