مدني عباس مدني وزير الصناعة والتجارة لـ (الصيحة):
استبدال تمكين بآخر مدخل خاسر للأزمة السودانية
متفائلون لدرجة التأكد من أن المستقبل أخضر
وجدنا أوضاعاً سيئة ونحن في مرحلة تأسيس دولة
الانهيار طال كل الخدمة المدنية وشرعنا في تشكيل لجنة لمراجعة قوانين الوزارة
مناخ العمل غير مشجع وروح الإحباط عامة، سنعمل سوياً لتغيير الواقع
محاربة الفساد ستتم بتحسين بيئة العمل والقوانين
اتجاه الدولة العام عدم تصدير الخام
سنفكك بنية الدولة القديمة وإضفاء فاعلية على هيكلة الوزارة
لم نتحدث عن تعيين جديد في الوزارة وإنما إنصاف
سنشكل لجنة للشكاوى وما كان يحدث فساد بصور مختلفة.. لدينا خارطة للنهوض بالصناعة ونخطط لمسح صناعي
سياسات جديده للمسؤولية الاجتماعية ونحن ضد “بئر معطلة ومصنع مَشِيد”
تمثل زيارة رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك إلى بروكسيل، ولقائه المفوضية الأروبية، ومجلس الاتحاد الأروبي وآلياته المختلفة اختراقاً كبيراً في العلاقات السودانية الأروبية بعد (30) عاماً كانت شبه مجمدة، خاصة فيما يتعلق بالتعاون التنموي بين الجانبين.
الزيارة أسهمت في إذابة الجليد، وإعادة الثقة المفقودة لدى الأروبيين تجاه التعاون مع الخرطوم، ورغم أن الزيارة لم تستغرق أكثر من يومين، إلا أنها أعادت ما انقطع منذ (30) عاماً، وخلافاً لمحاولات التشكيك في عائد الزيارة وما أنتجته لقاءات حمدوك في الاتحاد الأروبي، فإن الزيارة أرست لبنة أساسية وصلبة ستشكل قاعدة للانطلاق في العلاقات الأوربية مع السودان في شتى المجالات.
مرافقة عضو الوفد وزير التجارة والصناعة الأستاذ مدني عباس مدني، لحمدوك تشير إلى اهتمام الحكومة بالمستقبل وكيفية التعامل مع الوضع الاقتصادي، الوزير أجرى خلال وجوده ببروكسل عدداً من اللقاءات المهمة مع المسؤولين الأوربيين ستشكل أساساً لعلاقات إستراتيجية في المجالات التجارية والاستثمارية.
(الصيحة) التقته بمنزل القائم بأعمال السودان ببروكسل، وطرحت عليه عدداً من الاستفسارات والأسئلة ذات الصلة بوزارته، وهو يدخل الشهر الثالث على مباشرته العمل فيها، وضع تحتها كل الإجابات الممكنة والمتفائلة بأن القادم أخضر….
حاورته ببروكسل: مريم أبشر
- بعد ثلاثين عاماً كيف وجدت التجارة والصناعة؟
وضع سيئ للغاية سواء كان في مجال الصناعة أو التجارة، وهذا يشبه ما هو موجود في كل مؤسسات الدولة. نحن الآن نتكلم ليس فقط عن إصلاح أجهزة الدولة، ولكن نتحدث وكأنما نحن فى مرحلة تأسيس دولة جديدة نسبة للانهيار الذي طال الخدمة المدنية بشكل عام، وطال الوزارات المختلفة والبيئة القانونية، والكثير من القوانين في حاجة للتشريع، ولذلك قمنا مباشرة بتكوين لجنة لمراجعة القوانين المختلفة للتجارة والصناعة، وفعلاً نجحت في تجهيز الجزء الأول من العديد من مشاريع القوانين، وسوف تستكمل اللجنة عملها قبل نهاية الشهر الجاري.
*على مستوى مناخ العمل كيف وجدتها؟
على مستوى البيئة ومناخ العمل، أيضا وجدنا مناخاً غير مشجع، وغير مساند للموظفين والعاملين والعاملات. هنالك روح إحباط عامة، كما هو موجود في كل مؤسسات الخدمة العامة، حيث ساد التمييز, هنالك أيضاً إشكاليات مرتبطة بالترقيات وحقوق العاملين في الوزارة، هذه مشاكل وتحديات نعمل سوياً مع الموظفين والعاملين على أن نغيرهذا الواقع وسيتغير بطبيعة الحال.
*ماهي الأولويات؟
المجهود الأول في هذه الفترة، على الرغم من التحديات الاقتصادية التي تواجه الدولة, يجب أن ينصب نحو تحسين بيئة العمل، وتحسين قوانين العمل وتطوير الأدوات باستخدام حوسبة المعاملات المختلفة، وهذا يساهم بشكل كبير في محاربة الفساد وإرساء قدر من الشفافية على العمل في زارة اللصناعة والتجارة، وأظن أننا في بداية طريق طويل، لكننا بدأنا البداية الصحيحة.
*إذن هنالك جملة من التحديات تواجهكم؟
أستطيع القول هذا أكبر تحدٍّ. هنالك أيضاً تحديات كبيرة ومتعدده مرتبطة بالوضع الاقتصادي وزارة الصناعة والتجارة هي وزارة مفصلية في النشاط الاقتصادي ومهمة بالنسبة لحكومة الفترة الانتقالية، وقد رفعت شعار مسألة القيمة المضافة، والاتجاه العام عدم تصدير الخام، كل ذلك يلقي عبئاً كبيراً على الوزارة بأن تقوم بدور كبير ومحوري في تنفيذ مهام الفترة الانتقالية في جانبها الاقتصادي.
*هل لديكم اتجاه لهيكلة الوزارة؟
بطبيعة الحال هنالك تمكين وعدم عدالة وهنالك إخفاقات مرتبطة بعدم الكفاءة بالمؤسسات، إعادة الهيكلة تعمل بطبيعة الحال على تفكيك بنية الدولة القديمة، ونعمل أيضاً على إضفاء قدر أكبر من الفعالية على عمل الوزارة، الهيكلة حتى في إطارها النظري دعك من الممارسة العملية، هنالك إشكاليات لا يوجد رضى من العاملين على الهيكلة الموجودة في وزارة التجارة والصناعة، لذلك الاتجاه الآن نحو تغييرها بالتشاور بطبيعة الحال مع العاملينز
*البعض يعتبر إعادة الهيكلة استبدال تمكين بتمكين آخر ما هو تعليقكم؟
لا، نحن الآن لم نتحدث عن تعيين من خارج الوزارة، نحن نتحدث عن إعادة هيكلة الوزارة، وتحدثنا عن إنصاف. نحن حالياً في طور تشكيل لجنة للنظر في الشكاوى المتعلقة بالترقيات والإنصاف بالنسبة للعاملين والعاملات في وزارة الصناعة والتجارة, وبطبيعة الحال لا نتحدث لا عن استبدال تمكين بتمكين آخر وإنما نتحدث عن إيجاد عدالة ومنافسة حرة وتحسين لبيئة العمل والعاملين بجانب تطوير القدرات المؤسسية للوزارة، ولا يمكن أن نستبدل تمكيناً بتمكين آخر، هذا يكون مدخلاً خاسراً للأزمة في السودان.
- الفساد الذي وجدتموه في الوزارة كم يبلغ حجمه وكيف هو؟
بطبيعة الحال، الذي كان يحدث في السودان سابقاً هو الفساد وكانت السمة الأساسية له في الكثير من الممارسات, الفساد لا يعني فقط الفساد في شكله الأكبر الرشاوى، ولكن عدم وضوح السياسات وعدم الإنصاف، وعدم الشفافية والعدالة بين العاملين، كل هذا يدخل في باب الفساد، والفساد الموجود كبير ولكن أظن أن غالبية من هم في وزارة الصناعة والتجارة مؤمنون بالتغيير وسيعملون بجد لخلق صورة جديدة غير المأخوذة سابقاً.
- كثير من الواردات خلال الحقبة الماضية، بحسب مختصين غير مطابقة للمواصفات والمقاييس وقليلة القيمة ومعظمها سلع هامشية ما هي خطكتم للفترة القادمة؟
نحن بطبيعة الحال، السياسة الاقتصادية الكلية تتجه نحو زيادة الصادرات وترشيد الاستيراد، وهذا لا يعني إلغاء الاستيراد ولكن يعني تحفيز مدخلات الاستيراد المفيدة المرتبطة بالإنتاج والسلع الأساسية التي لا يمكن إنتاجها في السودان، أو أن إنتاجها يقل عن مستوى احتياجاتنا كسودانيين.
أي دولة محترمة تعمل بهذا الشكل زيادة صادراتها وبذات المستوى تعمل على ترشيد استيرادها من خلال النظم والقوانين التي تكفل ذلك، ولا تتعارض بذات المستوى مع حرية التجارة الدولية.
*ورثتم وزارة صناعة ومعظم إن لم يكن كل المصانع متوقفة أو تم إغلاقها.. هل هنالك خارطة صناعية جديدة ستُقدِم الوزارة على وضعها؟
بالتأكيد، هنالك خطة للوزارة للنهوض بالصناعة بشكل كامل مع التركيز على الصناعة المرتبطة بتوفر المواد الخام، وفي ذلك يدخل في مسألة الاستفادة من الطاقات المعطلة سواء كانت مصانع توقفت أو مصانع تعمل بكفاءة أقل نسبة لإشكاليات مرتبطة بتوفر الطاقة وغيرها.
نحن نعمل على أن ما هو عامل وموجود من المصانع يعمل بطاقته القصوى، وما هو تعطل والسعي في البحث عن المصانع التي تعمل وتتفق مع اتجاهنا في مسألة الصناعة، أما المسألة الثالثة هي فتح مصانع جديدة تتناسب مع حاجة السودان وهذا الوضع هنالك صناعات كثيرة ناشئة بدأت تتطور برغم الواقع الأليم كمثال صناعة الدواء فهي تتطور بشكل كبير وصناعة الحديد والاسمنت، ولكن تعاني من مشكلات، هنالك أيضاً صناعات أخرى مهمة مرتبطة لدينا بتوفير المواد الخام مثل صناعة اللحوم، هنالك العديد من الاتجاهات في هذا المجال وهنالك أيضاً صناعة الحبوب الزيتية والمسائل المهمة بالنسبة لنا صناعة الزيوت، ومسألة أخرى ستجد اهتماماً خاصاً من الوزارة هي الصمغ العربي وضرورة تطوير الاتجاهات التي تعمل في تصنيع الصمغ العربي حتى لا يتم تصديره كمادة خام، تصدير الصمغ كمادة خام لا يأتي إلا بعائد قليل لا يتناسب مع السودان الذي ينتج أغلب إنتاج الصمغ العربي في العالم.
- في هذا الصدد يمكن كثير من موارد السودان تصدر وتباع خاماً هل هنالك أي اتجاه لقيام صناعات تحويلية تزيد القيمة المضافة للمنتج السوداني؟
بالطبع، نحن أكدنا على أن مسألة الصناعات التحويلية تقع في قلب أولويات الوزارة، خاصة فيما يتعلق بالصناعة تضفي قيمة أساسية على المنتجات، السودان ظل حتى من قبل الاستقلال يصدر المادة خاماً، هذه مسألة لا تعود للدولة بعائد كبير، الدول تنمو وتتطور بالصناعة، والصناعة بالشكل الأساسي يجب أن تعمد فيها إلى الصناعات التي لديك ميزة تفضيلية مرتبطة بتوفر المادة الخام.
*الموسم الحالي يبشر بإنتاج وفير هل نتوقع الاستفادة من الوفرة الإنتاجية في المحاصيل في إعادة إنتاجها وتصديرها؟
هذه المسألة هي اتجاه الدولة العام الإستراتيجي، وهو عدم تصدير المادة خاماً، ولكن هذا لا يتم بين عشية وضحاها وهذه مسألة تحتاج لأن نتطور الطاقة الاستيعابية للمصانع حتى تستطيع أن تسفيد كل الاستفادة الممكنة من المواد الخام.
- كثير من الصناعات في مواقع الإنتاج ليست ذات فائدة أو أثر إيجابي على مواقع الإنتاج والمواطنين في تلك المناطق هل في خطط الوزارة تغيير هذا الواقع؟
هذه واحدة من المسائل التي تسعى الوزارة على العمل تجاهها، وهي مسألة وضع سياسات للمسؤولية الاجتماعية تكون ملزمة بالنسبة للشركات في المناطق التي تعمل بها، فلا يمكن أن يكون هنالك (بئر معطلة ومصنع مشيد).. يجب أن يكون هنالك دور أكبر من القطاع وقطاع الأعمال تجاه المناطق التي يعملون فيها ويستفيدون من مواردها.
* هل قامت الوزارة بإحصائية لحصر المصانع والشركات الموجودة العاملة والمعطلة؟
هنالك إحصائيات عديدة ولكن بطبيعة الحال بالنسبة لدينا الإحصاءات القديمة وكلها تحتاج إلى مراجعة، ولذلك واحدة من خططنا للفترة القادمة مسألة المسح الصناعي.
- زيارة رئيس الوزراء لبروكسل إلى أي مدى يمكن أن تسهم في خلق شراكات جديدة للوزارة؟
الاتحاد الأروبى لديه قيمته الكبيرة، والاتحاد الأوربي تعامل بانفتاح كبير جداً مع الثورة السودانية حتى اكتملت وساهم في إنجاح العملية السياسية التي أفضت لتوقيع الاتفاق الذي خلص لتشكيل الحكومة الانتقالية، والاتحاد الأوربي بادرعبر سفراء العديد من دوله بالمجيء للسودان وإبداء الاستعداد للمساهمة سواء في مجال العون الإنساني أو في مجال العمل التنموي، ودعم العملية التنموية في السودان، وقد أوضحت هذه الزيارة حجم الاحتفاء الذي تم من قبل الاتحاد الأوربي في زيارة رئيس الوزراء الدكتور حمدوك، وأوضحت الزيارة إلى أي مدى ينظر الاتحاد الأوربي للسودان بوصفه شريكاً أساسياً ومهماً في المنطقة للمرحلة القادمة، الاتحاد الأوربي أبدى استعداده للعمل معنا من أجل أن يتجاوز السودان هذه المرحلة الصعبة والعصيبة بتقديم دعم في كل المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية والإنسانية.
*هل أنتم متفائلون بإمكانية تجاوز المرحلة الراهنة؟
بطبيعة الحال، نحن متفائلون لدرجة التأكد من أن المستقبل أخضر.