هل هناك تناقُض واضِح ما بين تصريحات تيبور ناجي مُساعِد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية، وبين ما قالته فيدريكا موغيريني مسؤولة الأمن والسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي التي أشارت إلى أن الظروف الراهنة في السودان لا تسمح بإثارة وفتح موضوع مستقبل العقوبات المفروضة على السودان، وأكدت مايا كوسيانيتش المتحدثة باسم الاتحاد أن مناقشات حمدوك مع وزراء الخارجية في دول الاتحاد الأوروبي “الإثنين” الماضي لم تتعامَل رغم أهميتها مع مسألة رفع العقوبات.
فقد ذكر المسؤول الأمريكي أن السودان بات شريكاً للولايات المتحدة ورفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب عملية إجرائية.. المسألة ليست حدثاً وليست كالنقر على زر مفتاح المصباح، كما قال!
الباعث على الاعتقاد بأن هناك تناقُضاً، هو إصرار الاتحاد الأوروبي على عدم طرح ومناقشة موضوع رفع العقوبات أو إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مع عدم الحماس لهذه القضية كما أوضحت المسؤولة الأوروبية، وهي تحاول نفي مناقشة الموضوع في لقاءات حمدوك في “بروكسل” والتعامل معها، بينما تُحاوِل واشنطون في تصريحات مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية دلق نوع من التفاؤل على علاقة البلدين، في وقت شهدت فيه الخرطوم زيارة للمبعوث الأمريكي دونالد بوث ولقاءه مع رئيس المجلس السيادي، تُلوّح واشنطون تلويحات إيجابية، ويشيح الاتحاد الأوروبي بوجهه عن هذه القضية المُهمّة بالنسبة لنا كسودانيين، وحديث الأوروبيين فيه إحراج للسيد حمدوك الذي ظنَّ فيهم خيراً في مساعدته في رفع العقوبات، وعاد من الاجتماعات مُستبشِراً.. فَرِحاً.. جزلاً.. مسروراً.
أما إذا لم يكن هناك من تناقُض بين التصريحيْن من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، باعتبار أن الاتحاد الأوروبي لا يُريد أظهار أي نوعٍ من مُمارسة الضغط أو الطرق على الموضوع والتركيز عليه بقوّة وتركه لواشنطون صاحبة الاختصاص فيه، فإن واشنطون التي ستستقبِل السيد رئيس الوزراء حمدوك قريباً، تحاوِل تحفيز الخرطوم لوضع خطوات عملية تُثبت جدية الخطوات وتغيير السياسات التي تستخدمها جماعات الضغط الأمريكية للضغط على البيت الأبيض لتجديد حالة الطوارئ المُتعلّقة بالسودان والإبقاء عليه في لائحة الدول الراعية للإرهاب.
معروفٌ أن وجهة نظر الإدارة الأمريكية التي عبّر عنها مُساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، قابِلة للأخذ والرد ولا تُمثّل بالطبع وجهة نظر كل مؤسسات صُنع القرار في واشنطون، قد تكون الإدارة عازِمة على اتخاذ قرار من هذا الشأن لكنه يصطدم بحائط صلد من المؤسسات الأخرى القابضة على زمام التشريعات والقوانين التي بمُوجِبها صدرت الأوامر التنفيذية من البيت الابيض بوضع اسم السودان في القائمة السوداء للدول الراعية للإرهاب.
في كلا الجانبين مع الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، يحتاج السودان إلى قيادة تَحاوِرٍ عالي المستوى مسنود بخبراء أكفاء في مجال العمل الدبلوماسي والسياسي، للوصول إلى نقطة تحوّل إيجابية تُنهي العقوبات وترفع اسم السودان من القائمة الأمريكية، وهناك اشتراطات أوروبية لازمة التنفيذ لرفع العقوبات والإفراج عن المساعدات وإعفاء الديون والدمج مرة أخرى في المجتمع الدولي، وفي ذات الوقت تضع الولايات المتحدة شروطاً أخرى لضمان رفع اسم بلادنا عن قائمتها للدول الراعية للإرهاب، ومن شأن هذا الحوار المزدوج بين أمريكا وأوروبا أن يُفضي إلى نتائج إيجابية، لو أُسنِد الأمرُ إلى فريقيْ عملٍ محترفيْن تدعمها إرادة سياسية قوية واتصالات مكثفة من جانب المجلس السيادي والحكومة على السواء.
في الفترة السابقة نجحت عملية الحوار الطويلة المُنطلقة منذ 2014 حتى نهاية 2017 و2018 في إقناع الولايات المتحدة بأهمية رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، وتبقّت قضية القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب وإلغاء الأمريْن التنفيذييْن اللذيْن بموجبهما تم وضع اسم السودان على اللائحة الأمريكية. فالحوار البنّاء والفاعِل هو الذي يقود إلى نتيجة ملموسة، ومن الضرورة بمكان حسن إدارة التفاوُض وعدم الاعتماد على الزيارات السريعة لرئيس الوزراء فقط، فهذه الزيارات لا تتم فيها مناقشة التفاصيل الدقيقة، ولا يتم فحص كل الملفات، فعلى الحكومة البحث عن الخبراء وأهل الدراية والتجربة وخيرة الدبلوماسيين للقيام بهذه المهمة الصعبة.