قُلت للأخ د. سليمان الدبيلو، الأمين العام لمفوضية السلام وهو رجلٌ جديرٌ بالاحترام والتقدير، وله مواقف مبدئية دفع ثمنها خروجاً من حزب الأمة القومي في يومٍ من الأيام.. قُلت في لقاءٍ جمعني به بمكتبه في القصر الجمهوري يوم الأربعاء الماضي، إنّ قضية السلام في المنطقتين ينبغي لها أن تكون شَأناً قَومياً لا حزبياً لارتباط السلام بمصالح المُجتمع العريض وليس النخبة الحاكمة والنخبة التي تحمل السلاح.. واقترحت عليه بصفته أميناً عاماً لمفوضية السلام بأن يشق على نفسه ويركب الصعاب ويجلس على الأرض مع أصحاب المصلحة الحقيقيّة في السلام بالمنطقتين، وفتح نوافذ الحوار مع المُواطنين في كادُقلي ولقاوة وتلودي أبو جبيهة والكرمك وقيسان، وأن لا يحتكر التّفاوُض على الحكومة المركزية وحدها، وإذا كانت الحكومة قد اِحتكرت لنفسها حق إدارة السودان مركزياً لوحدها واعتبرت كل من لم تَضُمّه قِوى الحرية والتّغيير لا يَستحق المُشاركة في الشأن العام، فإنّ ذلك لا يتّسق مع قومية قضية السَّلام وشُمُولها لكلِّ أهل السودان حتى يكتب للاتفاقيات التي يتم توقيعها صفة الديمومة والاستمرارية، وهذا ما ظللنا نُطالب به النظام السابق حتى سقط في أبريل الماضي، والآن تمضي قِوى الحُرية والتّغيير في طريق المؤتمر الوطني حافراً بحافرٍ، إقصاءً لكل من يُخالفها الرأي والتوجُّه وتمكين جديد لقِوى اليسار من المحليات وحتى رئاسة الجمهورية، وإذا اعترض مُعترضٌ قالوا هكذا كان المؤتمر الوطني يفعل، إقصاءً لغيره وتمكيناً لتابعيه.. ولكن قضية السلام لا تحتمل مثل هذا المنهج المُعتل في الإقصاء والإبعاد لكل من له رأيٌّ غير رأي القطيع !!
في شأن المنطقتين، فإنّ الحركة الشعبية ليست وَصِيّة على الناس، ولا تمثل الحركة الشعبية إلا أقل من نصف سُكّان المنطقة، والنصف الآخر هو من قاتلها وناهض مشروعها السياسي والعسكري هؤلاء اليوم، إما جالسين في الأرصفة يترقّبون ما يحدث، وإما سلموا أمرهم للمُتفاوضين في انتظار ثمار الجولات التي بدأت مُتسارعةً، لكنها الآن أبطأت الخُطى!
أكبر معضلة تُواجه عملية السلام في المنطقتين، الترتيبات الأمنية والعسكرية، وكيفية اِستيعاب حَاملي السِّلاح في القُوّات النظامية أو إدماجهم في المُجتمع عبر ما يُعرف بالدمج والتّسريح والمُقاتلين من قوات الدفاع الشعبي، تنظر إليهم قِوى الحُرية والتّغيير بأنّهم أعداءٌ يجب التّخلُّص منهم باعتبارهم قاتلوا في صف النظام السَّابق.. وأمثال د. سليمان الدبيلو يعلمون أكثر من غيرهم من قادة الحُرية والتّغيير بأنّ مُقاتلي الدفاع الشعبي حَمَلُوا السلاح دفاعاً عن أنفسهم وأموالهم وأعراضهم في وجه حركةٍ عُنصريةٍ جهويةٍ، وفكرة الدفاع الشعبي نفسها ومن اسمها مشروعٌ دفاعيٌّ مَحضٌ، والتقت أهدافه مع مشروع الحكومة المركزية ونالهم الظلم وهَضم الحُقُوق، واتّخذهم النظام السابق (كلاب قنيص) وتركهم بعد اتفاقية السلام ٢٠٠٥ يلعقون جراحهم ويُقرِّرون مصيرهم، فذهب بعضهم للتمرُّد!! هؤلاء لن يفهم قضيتهم إبراهيم الشيخ ولا خالد سلك وصدقي كبلو ولا الأصم وبقية قادة الحُرية والتّغيير، ولكن الدبيلو وشمس الدين كباشي الأقرب وجدانياً وثقافياً واجتماعياً لهؤلاء، ولغة التّفاهُم بينهم يسيرة جداً، لذلك ينبغي للحكومة ووفدها المُفاوض الإصغاء لأهل المَنطقتين وإن كانت لا تستطيع نفسياً ووجدانياً الإصغاء لغير المُنتمين لها فلا جناح عليها إن جمعت أعضاء قِوى الحُرية والتّغيير من المنطقتين سَواء من هم في جنوب كردفان والنيل الأزرق الجُغرافيتين، أو المُكوّن الاجتماعي الموجود في الخرطوم وهؤلاء نظرتهم للسلام مُتطابقة.
والمُواطنون وشخصيات مثل عبد الجليل الباشا وحسن سومي المأمون من حزب الأمة والمهندس سعيد المهدي من حزب البعث والدبيلو نفسه تتطابق رؤيتهم ورُؤى أهل المنطقة، ومُشاركتهم في المُفاوضات أجدى وأنفع من أولاد بحري وأم درمان الذين لم يُحاربوا أو حدّثتهم أنفسهم بالحرب.