في موعظة (الحق الواضح) في هذا اليوم أقول:
إن المؤمنين يعلمون بل و(يوقنون) أنه لا يحصل في هذا الكون شيء إلا بإذن الله تعالى.. وأنه لا تحولٌ من حال إلى حال، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
هؤلاء المؤمنون.. يعيشون في هذه الدنيا بين الخوف والرجاء.. وتورثهم معرفتهم بربهم جل وعلا زيادة خوفهم منه سبحانه وتعالى ويجتهدون بسبب ذلك للبعد عن المعاصي .. يخشون ربهم ويخافونه.. فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ..
وفي المقابل كلما قوي إيمانهم يزداد رجاؤهم في رحمة ربهم .. ورأفته بهم .. وحفظه لهم .. بسبب ما وفقهم إليه من إيمان واستجابة لداعيه وعمل بطاعته، واستسلام وانقياد لحكمه، وقبول لشرعه، وتحكيم له في سائر ومختلف الأحوال !!.. فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون .. فالقرآن الكريم بشّرهم في آيات عديدة بمثل قوله سبحانه : (وكذلك ننجي المؤمنين).
والمؤمن يعيش في حياته بين رجاء ربه وخوفه منه وهو يدرك أن الله خالقه ومالكه وموجده وربه هو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا وهو الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض وأنه خالق كل شيء ويدرك أن ربه فعال لما يريد وأنه على كل شيء قدير وأنه القوي العزيز الجبار القادر القاهر..
تأمل .. رعاك الله.. في معاني أسماء الله تبارك وتعالى التي دلّت على قوته وقدرته وجبروته وقهره وعظمته سبحانه وتعالى .. والتي منها :
(القوي) و (المتين) وهما اسمان وردا مقترنين في قوله تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) سورة الذاريات.
لقد ورد اسم الله (القوي) في عدة مواضع من القرآن الكريم، وأما اسمه (المتين) فقد ورد في موضع واحد مقروناً بوصف الله بأنه ذو القوة كما في الآية السابقة.
ومعنى القوي : أي الذي لا يعجزه شيء ولا يغلبه غالب ولا يرد له قضاء ، ينفذ أمره ، ويمضي قضاؤه في خلقه، يعز من يشاء ويذل من يشاء، وينصر من يشاء ويخذل من يشاء، ولا منصور إلا من نصره، ولا عزيز إلا من أعزه ، فالقوة جميعاً له سبحانه وتعالى، والمخذول من خذله، والذليل من أذله (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) آل عمران.
ومعنى المتين: أي شديد القوة .. سبحانه وتعالى، على ما يليق بجلاله وكماله سبحانه، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
فالحمد لله على كماله وجلاله وكمال شرعه وعلى نعمه التي أكرمنا بها والتي لا تعد ولا تحصى..
تذكر أيها الموفّق أن الميت إذا مات تبعه ثلاث كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : (أهله وماله وعمله) فيرجع الأهل والمال ويبقى العمل ، هذا المال الذي لو ضاع قليل منه من الإنسان أو سُرق لبذل في سبيل إرجاعه الكثير والكثير بل لبذل كل ما يستطيع من وقت وجهد ، فكيف في المقابل يضيع ما سيخرج به من هذه الحياة الدنيا (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا) وغير ذلك من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية التي تحث على الاجتهاد في الأعمال الصالحة.