بين الراجحي ولوتاه
*قبل سنوات عديدة كنت في حفل حصاد القمح لعامه الأول في مشروع الكفاءة الزراعي بولاية نهر النيل، وشارك في حصاد ذاك العام صاحب المشروع المستثمر السعودي الشيخ سليمان الراجحي.
*حسب إفادات المسئولين عن المشروع من أهل السودان، أن المشروع خاسر في عامه الأول فما أنتجه لم يغط تكاليف تشغيله، وحينما سألت عن سبب استمرار عمل المشروع رغم الخسارة قال لي أحدهم عليك أن توجه هذا السؤال إلى الشيخ سليمان الراجحي.
*كاد الفضول يقتلني ولم أتردد لحظة وأنا أواجه الشيخ سليمان “وجهاً لوجه” وقلت له علمنا أن هذا المشروع خاسر وأنت مصر على العمل، ونريد أن نعرف الأسباب رغم الخسارة.
*كان رد شيخ الراجحي مفاجأة بالنسبة لي وبعض الزملاء من الإعلاميين، فقال لنا بكل بساطة “حينما أموت وأدفن تحت الأرض سأسأل عن مصدر مالي وفيم أنفقته، وأنا أعلم تماماً أن مصدره حلال وأريد أن يكون الإنفاق فيه كذلك حلال”.
*فكرة الراجحي بدأت بأن يستفيد اهل السودان من القمح الذي ينتج في المشروع وإن لم يكن مربحاً، وأن يستفيد العمال والمهندسون من العمل في المشروع وإن لم يكن مجدياً، فأرباح الرجل يريدها في الدنيا والأخرة وليس مالاً يودع في البنوك مثل الكثير من المستثمرين.
*مرت سنوات عديدة منذ إنشاء مشروع الكفاءة ببربر وأعتقد الآن المشروع أصبح ناجحاً وينتج حبوباً وتمراً وغيرهما من الطيبات التي ستجعل الشيخ الراجحي – بعد عمراً طويل- يجيب عن أسئلة ما تحت الأرض حول مصدر ماله وإنفاقه.
*وإن كان شيخ سليمان الراجحي أنشأ مشروعات استثمارية في نهر النيل والشمالية وبعض من أهل الدولة غافلون عنها، فهناك أناس أيضاً لديهم مشروعات غافلة عنها الدولة على الرغم من أنها مشروعات خيرية وليست استثمارية.
*كتبنا كثيراً عن مشروع السكن المنتج بولاية الجزيرة والذي أسسه رجل الأعمال الإماراتي الحاج سعيد أحمد لوتاه، والذي لا يختلف فكره عن الراجحي فيما يخص عمل الخير وصرف المال في ما يفيد المواطنين من أهل السودان، مع اختلاف أن مشروعات الراجحي استثمارية ومشروعات لوتاه خيرية يصرف فيها الأموال دون أن ينتظر عائداً مادياً في الدنيا وإنما يترقب ثواب الآخرة.
*ما يربط الرجلين أنهما يعملان لخير هذه الأمة دون أن يجدا الاهتمام من الدولة، يدفعان من حر مالهما من أجل زراعة الأرض ونماء الضرع، أحدهما يحصد مالاً في الدنيا وثواباً في الآخرة وهو الراجحي، ولوتاه نحسب أنه يحصد كل عائدات أعماله الخيرية في الآخرة وزيادة ماله ومباركته لما يقدمه من عمل خير في أرض السودان.
*ما لفت انتباهي لكتابه هذه الزاوية ما قرأته في الصحف خلال الأيام الماضية عن مشروع الراجحي في بربر، وهو الذي بدأ خاسراً مالياً، ولكنه في النهاية سيعود عليه استثماره بالمال، وما يفعله لوتاه بالجزيرة يحتاج أن يقف جميع أهل السودان ليرفعوا الأكف بالدعاء له، وهو الذي أسس السكن المنتج ويعطي المزارع الفقير منزلاً بأفدنة وأنعاماً ليخرجه من دائرة الفقر إلى الاكتفاء، وكل هذا بالمجان دون أن يدفع الرجل “مليم أحمر”، ولا ينتظر لوتاه عائداً مالياً لمجموعته، وإنما يبتغي ثواب الآخرة وهو يفرج كربة عن مسلمين، ونسأل الله أن يفرج عنه كرب يوم القيامة.