سرطان الخلايا الانتقالية (1-2)
واحدة من أهم أسباب هزيمة المريخ بالسباعية الشهيرة من الوحدات الأردني والتي لا يأتي على ذكرها المحللون ولا يلقون لها بالاً بحسب رأيي هو اللقاء الذي اجتمع فيه مدرب الفريق آنذاك الكابتن محمد عبد الله مازدا، وأبلغ اللاعبين قُبيل المباراة بأن مباراة الوحدات ستكون الأخيرة له وسيرحل بعدها من الفريق!!
ليس البرد ولا (أكرم) من مرمط بالمريخ يومها.. لو صبر مازدا إلى ما بعد المباراة لكان خيراً له وللمريخ ولدخل اللاعبون إلى الملعب بمعنويات عالية وشهية مفتوحة ولاستمعوا إلى توجيهات مدربهم بقلب مفتوح وتركيز عالٍ..
ثمة خيط (وهيط) ما بين القيادة والقاعدة.. قوامه الاحترام والمصير المشترك.. القيادة هي القدرة على التأثير في الأفراد لجعلهم يرغبون في إنجاز أهداف المجموعة، تبثّ فيهم الثقة والحماس ليعطوا أفضل ما عندهم.. لكن القائد (الماشي ماشي.. شن طعمو)..
أفقدهم مازدا التركيز وعزّز عندهم أن مدربهم (نفسو مارقة من التيم)، وأن نتيجة المباراة القادمة لا تهمه، فانتقلت إليهم عدوى اللامبالاة ودخلوا يجرجرون أقدامهم ليخرجوا بالسبعات المستحقة!!
القائد الانتقالي خطير وغير مُجدٍ.. وسيهزم نفسه والجماعة.. خاصة وأن الجميع يعلم أنه مؤقّت..
رأى الناس كيف غلّ العالم يده عن حكومتنا بينما يترفّق ويبتسِم..
هم ونحن نحتاج لحكومة وطنية بشهادة بحث خالية من الموانع، وكل شهادات الحيازة لا يعتد بها مهما كانت الأختام والتوقيعات عليها بارزة وفخيمة… وليس من شهادة بحث أعز نفراً وأشد وطئاً وأقوم قيلا من الصوت الانتخابي الساحر، الذي يلقف ما يأفكون.
زول يشيل الشيلة.. زول منتخب.. تطويل الزمن الذي يفصل السودانيين عن إقامة نظام سياسي ديمقراطي حقيقي، هو نفسه التي سيضيع عليهم فرصة تاريخية لن تتكرر إلا بعد عقود طويلة، وها نحن نتلمّس خطل الفكرة التي أنتجتها القوى المتحكمة في خيارات المرحلة الانتقالية، عبر هذا الوضع السياسي المشوّه، من خلال انتهاج أسلوب التعيين الليلي والتمكين، بما سيؤدي على نحو حتمي إلى إقصاء طبقات وكيانات واسعة من المجتمع السوداني..
ما الذي يمكن أن تساهم فيه مدة الانتقال الطويلة… ونحن نشهد انعدام القنوات التي تتيح للناس سانحة التعبير عن (زنودهم وآرائهم) في منهمك البناء الوطني، وتلك بداية مخذولة ومجحفة حتى إن محمد عصمت نفسه – وهو من هو- قال إنها فوضى غير مُبرّرة..
مرحلة انتقالية غير منظمة وبدون الأدوات السياسية الكفيلة بإنجاحها ستُعيدنا إلى (زمناً قديم طوّل).
الرئيس المرزوقي في تونس عندما شعر بالخطورة في2013م التمس من السياسيين المراجعة (معتبراً طول فترة المرحلة الانتقالية في تونس “أكبر خطر على استقرار” بلاده).
لكن (د. علي الحاج) عبّر عن تلك الخطورة بطريقة مختلفة، إذ قدم قبوله بكل أشكال التمكين اليساري العلماني الجاري في الوظائف.. محاولاً أن (يمسخها) عليهم، مناشداً الالتفات والاهتمام بالمطلوبات الحقيقية لفترة الانتقال وتهيئة المناخ لتحوّل ديمقراطي حقيقي..
ونذر واضحة بأن بعضاً من الانتقاليين يدفعون المرحلة إلى حالة الفراغ في ظل أرضية اجتماعية هشة واستقطاب لا وطني خطير، ومع طول الفترة الانتقالية وغياب الأطر القانونية والكوابح السياسية، فإن المزيكا ستدق… ولن نستطيع عندها أن نغني مع الدوش:
(قلنا الدنيا ما زالت بخير)..