بماذا عاد حمدوك…؟
أعلن الاتحاد الأوروبي خلال مشاركة السيد رئيس الوزراء الانتقالي في اجتماعات وزراء خارجية الدول الأعضاء مع قيادة الاتحاد في بروكسل أول من أمس، زيادة دعمه لمشاريعه في السودان، ويصل المبلغ إلى (55) مليون يورو كمساعدات إنسانية، تشمل ميزانية البرامج التدريبية والتنموية ومراقبة الهجرة غير الشرعية وبعض المشروعات الإنمائية الخدمية الصغيرة، والدعم الفني ومتابعة ومراقبة ملف حقوق الإنسان والدفاع عن قيم ومصالح الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى مشروعات في المناطق المتأثرة بالحرب وصل الدعم فيها منذ العام 2011 حتى اليوم حوالي نصف مليار يورو في تسع سنوات (ما يساوي 55 مليون يورو في السنة- أي نفس المبلغ الذي خُصّص الآن)، وهو تكلفة جملة ما تنفذه وتدعم به بعثة الاتحاد بالسودان، ولا يُقدّم الاتحاد الأوروبي حسب سياساته ونهجه ونظمه وتطابُقاً مع مصالحه، دعماً مالياً مباشِراً للحكومات، إذ تقوم بعثاته في الدول التي تتلقى دعمه بالإشراف الكامل على تنفيذ البرامج والمشروعات المُتَّفق عليها مع دعم لبعض المنظمات الأوروبية والمحلية التي تُقدّم مساعدات في مناطق النزاعات مثل دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان والشرق.
وما تمّ في زيارة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك لا يتجاوز شيئاً مذكوراً سوى الحديث عن زيادة دعم المشروعات والبرامج الموجودة ولا يساوي المبلغ المُخصّص شيئاً بالنسبة لحاجة السودان الفِعلية للدعم الخارجي، كما أن الدعم المُقدّم نفسه يتم صرفه على برامج ليست الأولوية بالنسبة لحكومة السودان، ولا في القطاعات الحيوية المُرتبِطة بالمنفعة الشاملة، مثل الطاقة والصحة والنقل والبنى التحتية، فالاتحاد الأوروبي يُوجّه الدعمَ لمجالات أخرى، مثل برنامج تدريب الشباب وطُلّاب العلوم السياسية والصحافة والإدارة (SJTP) وهو برنامج مُخصَّص للطلاب والشباب في نهاية دراساتهم الجامعية تتمحور في كيفية تنظيم اللقاءات والمؤتمرات والاجتماعات السياسية والأنشطة والأحداث الدبلوماسية والثقافية وإعداد التقارير والرسائل والمقالات الصحفية، ومنشورات التواصل الاجتماعي في (السوشال ميديا)، والرد على المكالمات والاستفسارات وترتيب المواعيد وكتابة المُراسلات والاتصال بالمنظمات وإدارة المشاريع!!!…
إذا كانت هذه هي أولويات الاتحاد الأوروبي وبعثته بالسودان، والتي لا تُقدّم إلا الضئيل جداً من الدعم المطلوب في الجوانب الصحية والخدمية والتنموية، فإن أي دعم يزيد أو ينقص مُوجّه في الأساس لهذه البرامج التدريبية والإنمائية الشحيحة، وهو بالطبع ليس بذي فائدة وجدوى كبيرة للسودان في ظروفه الحالية التي كانت تتطلّب قروضاً ومساعدات وتمويلات بجانب توفير دعم سياسي قوي من دول الاتحاد الأوروبي لحث الولايات المتحدة على رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وكذلك يتطلّب الدعم الحقيقي من الأوروبيين في قيادة مبادرة دولية لإعفاء ديون السودان الخارجية البالغة 47 مليار دولار، وتسهيل إعادته مرة أخرى للاندماج في المجتمع الدولي، والتمتع بالقروض والمِنَح والمساعدات مثل بقية دول العالم الثالث التي وَجَدَت طريقها للاستقرار الاقتصادي والسياسي .
لقد أوضح رئيس الوزراء أمام الاجتماع ببروكسل أمس الأول، نوع وطبيعة الحاجة للدعم السياسي والاقتصادي، وقَدَّم ما لديه دون أن تكون هناك خطة واضحة وبرامج مُحدّدة، لكن من الواضح أن العقلية الأوروبية لا تزال تنظر بنوع من الحذر والشكوك و تتحسّس خَطْوَها تجاه السودان، رغم الخدمات الجليلة التي قدّمتها لهم الخرطوم في ملف الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، إضافة للتطوّر المستمر والتحسُّن المضطرد في مجال حقوق الإنسان، فأمسكوا عن الدعم الذي يسد جزءاً كبيراً من الحاجة ورموا بحفنة من ملايين اليورو التي لا تُسمِن ولا تُغنِي من جوع، لذا لا مناص من الخشية في أن تكون مشاركة السيد رئيس الوزراء تقع في دائرة العلاقات العامة التي يتيح فرصها الاتحاد الأوروبي من أجل إبراز الإطارات الشكلية والتواصُل مع المجموعات الدولية، وتم اختيار بعض الدول الأفريقية هذه المرة وبينها السودان لإكمال الجانب الشكلي والبروتكولي الخاص بهذه الاجتماعات .
من الضروري أن تكون لحكومة السودان الانتقالية أهداف محددة وبرامج معلومة وتوجّهات واضحة، في التعامل مع المنظمات الدولية والإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي كجهة داعِمة ومانِحة تُقدّم مساعدات مالية، وتمنح أيضاً دعماً سياسياً يمكنه فتح الأبواب وتذليل العقبات من أجل الإنعاش الاقتصادي واستقطاب الدعم المالي والتمويل الخارجي والاستثمارات الأجنبية، ففي حديث رئيس الوزراء الانتقالي أمام اجتماعات الاتحاد الأوروبي ووزراء خارجية (28) دولة أوروبية، وردت إشارات للعلاقة والتعاون الاستراتيجي بين السودان والاتحاد الأوروبي، وهو اتجاه جيد لو وُظّفت هذه العلاقة الاستراتيجية لمصالح وحاجة السودان الحقيقية، وليس من أجل مصالح الاتحاد الأوروبي فقط التي لا تخدِم السودان في أغلب الأحايين، ولا تمثل أولوياته للتنمية والنهضة الاقتصادية عندنا .