ما بين الأحلام والأوهام!
*ثمة ظل وَريف لما يراودنا من أحلام يُعرف بالأوهام، حالما تمدّد فينا أسلمنا قسراً للخذلان أو الجُنون، وختم على قلوبنا بالجراح والأسى، فلم يعد لنا من نديمٍ سِوَى الندم والدموع والذكريات المُوجعة التي لا نعرف هل نفرح عند اجترارها باعتبارها لحظات خالدة غمرتنا بالسعادة الصافية، أم نحزن كونها لن تتكرّر.. وربما كانت في الأصل امتداداً لما جنيناه من الوهم؟! وأقسى أنواع الأوهام تلك التي نجنيها بعد أن علّقنا كل أحلامنا بأحدهم، ورسمنا له في الخاطر صُورةً مثاليةً زاهيةً في ما يلي عاطفته تجاهنا، وأفردنا له المساحات، وراهنا على وجوده العامر بالضوء في دهاليز أيّامنا القاتمة الكئيبة، ثم خسرنا ببساطة ذلك الرهان! فكيف بربكم لإنسانٍ أن يصبح كل الحياة؟ نقصده مزاراً، ونصطفيه خليلاً، ونجعله ملاذاً، ونحتمي به كلما ناوشتنا الحياة بسهامها، ونركن إليه من رهق أيامنا ليمنحنا الظل والمأوى، فإذا به يتركنا عُرضةً للوحدة والتشريد والخُذلان؟! من الخطأ أن تُعلّق أحلامك بأحدهم.. وتهبه الغرام والوئام والثقة بلا حُدُودٍ، تغض الطرف عن أوجه القُصُور فيه وتكلله بغار الكمال والنبل بكل سذاجة! ليس ثمة أحد في هذا الكون يستحق أن يجعلك تابعاً يُحرِّكه الهيام والوله.. فهذه لعمري أحاسيس قد عفا عليها الزمن.. ولم يعد ثمة مكان إلا للمشاعر العابرة والأهواء العَارضة التي لا تلبث أن تزول وكأنّها أعراض للبرد أو الزكام أصابتنا فَجأةً، ثم أنعم الله علينا بالشفاء، فاستعدنا عافية وقارنا، ولم يعد بإمكاننا أن نواصل لعب دور العاشق الهزيل في تلك المسرحية الساخرة، لأنك ستتحوّل حينها لمجرّد مهرج لا يضحك الناس لسخافاته.
*هكذا هي الحياة.. تزغلل أعيننا بأكاذيب الوجد والجوى والنوى.. فنفرح لأننا تحوَّلنا لعشاق يطحنهم الفُراق ويسعدهم اللقاء ويتبادلون أنخاب الصبابة والنجوى! فمن قال إنّ كل ذلك مُتاحٌ على أيامنا هذه؟ ومن أين لنا بمُحبٍ صادق الوداد يجزل لك العطاء ويغدق عليك الاهتمام والاحترام ويتلظّى بنار اشتياقه لك، ويجعلك على رأس قائمة أولوياته؟! من أين لنا بعاشقٍ مُخلصٍ يحفظ غيابك ويطرب لإيابك ويجتهد ليرضيك؟ إنها يا سادتي لا تعدو كونها أكاذيب وألاعيب وأوهام نتحايل بها على أنفسنا، بعض الوقت بدعوى العِشق والسّوانح الذهبية التي قدرت لك أن تكون من أصحاب الحظ السعيد الذين يلتقيهم حبيب العُمر بغتةً في غفلةٍ من الزمن، فيهللون ويكبرون ويهللون ويحلمون ثم لا يلبث ذلكم الحبيب أن يُوجّه لهم صفعة الخذلان ليصحو أحدهم من زيف الأحلام على واقع الأوهام، بعد أن فقد أنبل ما فيه، ودفن أحاسيسة في مقبرة الألم!! فهل ثمة ما يُمكن إنقاذه من نقاء وكبرياء؟!!.. ربما.
تلويح:
أجمل الأحلام تلك التي لا تتحوّل إلى واقعٍ.. وأقساها تلك التي تستحيل لأوهام!!