هل باعُونا بالرخيص..؟
لم يصدُر عن الحكومة الانتقالية إلا تصريح صحفي يتيم من وزارة الخارجية عن مشاركة وفد السودان في الاجتماعات المُتعلّقة بسد النهضة الأثيوبي الذي احتضنته واشنطون، والتقى بالوفود الثلاثة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، ولم تظهر لا من وزارة الري والموارد المائية أو وزارة الخارجية توضيحات تشرح بالكامِل وتُقدّم إجابات حول أسئلة كثيرة مِلحاحة حول الذي خرج به السودان من هذه المباحثات الثلاثية تحت الرعاية الأمريكية، ولم نسمع تعليقاً واحداً من جهة رسمية حول طلب مصري قُدّم للجانب الإثيوبي لإبعاد السودان من المباحثات والاستعاضة عنه بالبنك الدولي، رغم أن هذه الفكرة والطلب ــ إن صحّت روايته ــ فيه سذاجة سياسية، ولا يمكن التعويل عليه مصرياً لتحقيق مأربها، فوجود السودان في المباحثات الثلاثية غير أنه يحفظ حقوقه، فإنه ضمانة لحقوق الطرفين الآخريْن، ومنع للشطط ووصول الأمور إلى الحائط المسدود .
بالعودة إلى عدم وجود أية توضيحات كاملة، فإننا قد كتبنا قُبيل انطلاق الاجتماعات الثلاثية حول السد في واشنطون الأسبوع الماضي، عن مخاوِف تُراوِد السودانيين من ضعف الوفد المُشارك بقيادة وزيرة الخارجية التي لم تتأت لها الخبرة الكافية في قيادة مثل هذا العمل الدبلوماسي الرفيع، وإدارة معركة جنّد لها أحد الأطراف الرئيس الأمريكي نفسه ومنظمات دولية لتعضيد موقفه وكسب نقاط لصالحه، فوزيرتُنا ووفدها الذي خلا من الخبراء والعلماء وأهل الدّراية والتجربة وعلى إلمام واسع بهذه القضية المعقدة، لم يفتح الله عليهم حتى اللحظة بجملة مفيدة تطمئنُنا إلى سلامة موقفنا وحقوقنا من التغوّل عليها أو هضمها أو التحايُل والتلاعب بها وجعلها محل المساومة والترضية، وأن لا تكون الحلول المقترحة أمريكياً قد تمّت على حسابنا ..!
جولة مفاوضات مُهمّة من هذا النوع، وفي العاصمة الأمريكية، وبحضور سياسي كبير، تُوِّج بلقاء الرئيس ترمب، تفرض على الحكومة بل المجلس السيادي نفسه أن يُطلِع الرأي العام السوداني على تفاصيلها، لقد سارَع رئيسا الوفدين المصري والإثيوبي إلى عقد مؤتمرات صحفية وأطلقا بمجرد انتهاء الاجتماعات ــ كلُّ على حدة ــ تصريحات صحفية أكدا فيها على مواقف بلديهما الثابتة من موضوع السد وقدّما معلومات من زاويتيهما المُختَلِفتين عن تمخّضات الاجتماعات… أما نحن فقد لاذت وزيرتُنا بالصمت، ولم تتبرّع أية جهة رسمية بمعلومات وافية حول ما جرى .
هذا أمرٌ يُثير الشكوك، ويُضاعف الظن بأن السودان قد يتعرّض لمؤامرة كبرى تسلبه حقوقه المائية، وتجعله الحلقة الأضعف في التفاوُض حول سد النهضة، ويكون هو الطرف المغموط نصيبه والمسلوب ماؤه، وقد قلنا من قَبل إن الخيارات الوحيدة المُتاحة في المقترحات الأمريكية لحل الخلاف حول سد النهضة، ستكون على حساب السودان، فواضحٌ لكلِّ ذي عينين أن هناك تسوية تمّت لإرضاء مصر وتعويضها وتحفيز إثيوبيا لمواصلة العمل في السد والانتهاء منه في أقرب الآجال، وعندها سيحضر الرئيس الأمريكي بنفسه كما غرّد على حسابه في تويتر الاحتفال بافتتاح السد .
هذه التسوية التي تتحدّث معلومات كثيرة ومصادر مُتعدّدة عن إبرامها، يجب على الحكومة أن تُعلن فوراً حقيقتها، إما أن تنفي وجودها أو توضح تفاصيلها، إذا كانت غير موجودة فلتُعلن عن سبب الصمت، وعلامَ لم تكشِف حقيقة ما جرى، أما إذا كانت الصفقةُ قد تمّت بالفعل، فلتُعلن الحكومة موقفها منها، وهل هي على حساب السودان، أم لا، وتقدّم كل ما لديها من معلومات وتفاصيل، وإذا كانت هناك تسوية مُجحِفة ولم تكتمل أركانُها وتفاصيلُها بعدُ فلتقل الحكومة وتُصارح شعبها بما دار وما سيتم في يناير من العام المقبل موعد اللقاء الثاني للدول الثلاث تحت الرعاية الأمريكية، أما إن عزموا على بيعنا بالرخيص وكانوا في مياهنا من الزاهدين، فليتحلّوا بالشجاعة الكافية ويعلنوا ذلك جَهاراً نَهاراً؟!!