كان (عباس) حجة الله في خلقه.. كيف أن الأمر كله بيده.. وبي خيت العنكبوت تنقاد..
كل الناس في حلة (العويضات) تعرف أن (ود المقطع) هو أبو عباس.. إلا عباس.. ففي نهار غائم ليس فيه ازدحام استند ( ) على وعد سابق مبذول من (حليمة) وغافل الرقيب ودخل إلى بيتهم الكبير بحجة إصلاح الراكوبة وخرابها..
رضي الخال (تاج الدين) أن يصبح عباس ملحقاً به.. كما أن حليمة أوقفت حياتها ونذرتها لمجدي…
بعد عباس انطفأ كل شيء ذي قيمة وكبرياء وابتهاج داخل البيت الكبير.. بينما مضت رعاية عباس على قدم وساق في مصانعة غريبة وتبتّل مقدس..
لم تبك حليمة، كما وأنها لم تفرح حينما أخبرها الحكيم أنها حامل.. كانت تعرف على نحو ما أن ذلك سيحصل.. فامتثلت للقدرية في طمأنينة لم تغشاها إلا يوم الحكيم، لكنها تواصلت بعدها فلم تحفل بشيء من (الناسوت) ولم تبالِ بـ(الناموس)..
مصطفى نفسه تيّبست شفاهه وبدا شنبه خفيضاً ورأسه إلى الوراء وهو يقول لزوجته: (دخليها الأوضة الورانية، خليها ترتاح).
وفي الصباح هبط باكراً إلى دكانه في السوق.. لم يغير شيئاً من عاداته اليومية طلب الشاي و(القهوة المُرة)، وأمر الصبي برش الماء في المدخل ثم سأل عن ود المقطع.. فقالوا له إنه في المخزن.
خفّ ود المقطع مهرولا إلى السوق.. فقد كان الصبي فجاً وهو يقول: (حاج مصطفى.. بقول ليك خلي أي حاجة وتعال هسع)..
حينما وصل إلى حدود الدكان بمسافة تبعد مائة متر حدثته نفسه أن أمره قد انكشف، وأن السكة التي تتلو مقابلة حاج مصطفى لن تكون ذات السكة.. فردد ما كان يردده حاج مصطفى دوماً:
(المي حار… ولا لعب قعونج).
سرعان ما قلب الأمر وبحث عن خياراته والمآلات.. وانتابه حرقان حاد وطمام بطن وإسهال قريب..
لم يفكر بعدها كثيراً.. قفل عائداً إلى أطراف السوق وهناك تخارج في أول لوري مارق.. حتى إنه لم يسأل: (اللوري دا ماشي وين)؟!.