في السياسة الدولية، وفي الداخل الأمريكي قول شائع “لكلِّ رئيسٍ أمريكيٍّ حربه “، خاصة عندما يكون ساكن البيت الأبيض في ولايته الأولى، وخلال العقود الثلاثة الماضية، لم يأت رئيس أمريكي إلا وأعلن وخاض حرباً في مكانٍ ما، من حرب البلقان، وتدمير يوغسلافيا، وحرب العراق واحتلاله، والحرب على أفغانستان بحجة الإرهاب، ومحاولة الحرب في الصومال وليبيا وسوريا.
وبالطبع قبلها في فيتنام في عقود سبقت هذه، وحروب أخرى صنعها وتورّط فيها رؤساء آخرون من بلاد العم سام. ما يهمّنا هو مقولة “إن لكل رئيس أمريكي حربه”، فإن لكلِّ وزيرٍ من وزراء حكومتنا الانتقالية برئاسة السيد حمدوك كارثته وسقطته الخاصة، فلننظر إلى هذه الكوارِث الفوادِح ..
وزير العدل لم يمض على أيامه إلا ما يُعَدُّ على أصابع اليد الواحدة، حتى تحدّث عن المريسة، وأنها جزءٌ من الثقافة العامة للمجتمع، أطلق تصريحاته، وكأن مجتمعنا وُلِد في خمّارة وتربّى في حانة، ولم يطرف له جفن. وعندما تحدّث عن اتفاقية “سيداو” والمحكمة الجنائية، زاد في التخليط مُحتَطِباً بليلٍ لا يدري ما يَجمَع ولا يعرف ما يرمي إليه فقط قال قولته ثم سكت..
وزير الشؤون الدينية والأوقاف، تفرّد بكوارثه الكلامية من دعوته لليهود بالعودة للسودان إلى مُناداته لعَبَدَةِ الأزلام والأصنام وعَبدَة الحجارة والنار، ونسل القردة والخنازير وعباد العجل الذي له خوار، ودعاهم ليأتوا إليه مكرمين فهم من وزارته ورعاياها، ونسي الدين الخاتِم وأن أرض الإسلام لا يُعبَد فيها غير الله، ونسي ما صحّ وثبت من أمر الدين القيّم وما هي ولاية وزارته على بقية المواطنين واعتقاداتهم وكيفية التعامُل معهم ومع مَن..؟
وزير الصحة لم يحز عنق الاقتصاد السوداني من (الأضان للأضان) فقط، بل سعى بتصريحاته دون دراية ومعرفة وحصافة إلى وقف صادِر الماشية واللحوم، وبدأت دُول عديدة تُعيدُ إلينا صادرِاتنا من الثروة الحيوانية التي تفوق إيراداتها السنوية المليار دولار، بل ترصّدت بعض الدول ومطاراتها الركاب السودانيين، وبدأت في إجراءات الحجر الصحي خوفاً من الكوليرا والحمى النزفية وحمى الوادي المُتصدّع وأمراض أخرى تبرّع الوزير دون أن يطرف له جفن في تخويفِ العالم وإثارة هلعه وفزعه من مجرّد ذكر اسم السودان ..
أما وزير المالية فالحق يقال، لم يفتح اللهُ عليه بكلمة إلا وأطفأ الأملَ في النفوس، ورسَم الصورة الأكثر قَتَامةً، وأبان عجز حكومته وضعف أدائها المالي وقلة حيلتِها وهوانِها على الدول المانحة والمنظمات الدولية التي أمسكت أياديها عن العطاء، ولم تعَد في تعامُلِها معنا أندى العالَمين بطونَ راحِ، فالوزير الذي عمِل في وظيفة عادية في البنك الدولي لا يستطيع حتى تقديم وصفة جيدة لانتشال الاقتصاد من وهدته، ولا يسعد النطق في الحال المائل بلا سعد.. ومن فرط الخشية والفزع لا يتمنّى أحدٌ في الحكومة أو مؤيّدوها أن يفتح الوزير فمه بكلمة، فأياديهم على قلوبهم خوف أن يواصل السيد وزير المالية حملته التدميرية للمعنويات، ويلعب دور الإطفائي المُثابِر لجذور الآمال العِراض ..
وزيرة التعليم العالي، المُتأمَّل فيها أن تكون راعيةً لبيت الحِكمة، تواضعت تصريحاتها في بداياتها وأعلنت حربها البائسة ضد زملائها من أساتذة الجامعات ومديريها، وكانت وآيات الوزيرة الشعاراتية الكلامية هي لغة المسح والكسح التي أتقنت استخدامها ولم تظهر بمظهر العالِم العارِف المُربّي فكانت لها كارثتها ودوي فقّاعاتها اللفظية ولم تزَل ..
أمّا السيد وزير التربية والتعليم الذي صمت دهراً ونطق كفراً، فقد جاء مؤتمره الصحفي أول من أمس، مُدشِّناً عهداً من الغل والتزييف والتدمير المُتعمّد لكل ما سبق وأُنجِز في مجال التعليم العالي، وربما بسبب ضعف البصر والبصيرة لم ير الوزير إلا النصف الفارغ من الكوب طيلة التجربة السابقة التي توسع فيها التعليم العام مقارنة بوضع وحال التعليم منذ الاستقلال في المبنى والمعنى، وكل ذاك هين، لكنه ارتكب أم الكوارث عندما شكّك في الشهادة السودانية، التي يجلّها ويعترف بها العالَم أجمع إلا هو، وتتسابَق دولٌ عريقةٌ لإرسال أبنائها للجلوس لامتحاناتها تجويداً وحسن اختبار لحصائل معرفتهم.
ولا تزال الشهادة السودانية مكان تقدير وتواصل تقييم وتقدير تجربتها بالحفاظ على تقاليد مَرعيّة منذ العهد التركي قبل المهدية في ابتعاث المعلمين عقب الامتحانات إلى اسطنبول في اعتراف من تلك الفترة بضرورة التقدير والثناء على المُعلّم السوداني وإدارة امتحانات الشهادة السودانية وكفاءته، وتفعل السلطات البريطانية في عهدها ذاك الصنيع، دعك من كلِّ هذا، كل الذين تخرجوا في التعليم العام والجامعات السودانية التي نشأت في العهد السابق بغض النظر عن موقف الوزير أو غيره من ذاك العهد، هم الآن الأكفأ بين الأطباء من مُختلف الجنسيات في دول المهجر التي يعملون فيها سواء أكانوا في الخليج أو أوروبا أو الولايات المتحدة، لو لم يكن التكوين المعرفي والعلمي وأساس التعليم سليماً لما أخرج كفاءات جزء منهم وزراء مع الوزير في مجلس الوزراء، درسوا في مدارس وجامعات العهد السابق، ومن قادوا الشارع الذي أتى بالوزير وزيراً للتربية والتعليم هم من هذا الجيل الذي يُشكك الوزير في محصلتهم التعليمية ويشككهم وأسرهم والمجتمع كله في شهاداتهم السودانية التي زعم أنها كانت تُطبَخ بليل..!؟ كل هذه الكوارث الكلامية للوزراء أشد تدميراً من حروب الرؤساء لأنها حروب ودمار للموجودات الفيزيائية المحسوسة، لكن تصريحات وزراء حكومة حمدوك فهي تدمير للإنسان وللبلاد وتهشيم لصورتها، وهدم مُتعمّد للمجتمع وتحطيم لاقتصادها .