أم المعارك!!
لم يعد في عالم اليوم معركة إلا صراع الأقدام في المستطيل والعشب الأخضر.. انحسرت الصراعات في كل العالم وانتهى الصراع العربي الإسرائيلي لسلام الشجعان، وتبادل القبلات والتطبيع الدبلوماسي.. بل أصبح العداء لإسرائيل من أسباب تعاسة الدول وحصارها.. وطردها من رحمة الولايات المتحدة الأمريكية.. اليسار والشيوعية اندثرت أو تماهت مع الرأسمالية، وأصبح اليسار يطوف راكعاً وساجداً بالبيت الأبيض عوضاً عن قصر الكرملين.. والحديث عن توازن القوى محض خيالات لحالمين في عالم لم يعد فيه حلم.. انتهت المعارك الحضارية والسياسية والثقافية ولم تبق إلا معارك الرياضة وتنافس المال وشراء الأقدام من أجل متعة المشاهدة..
بات المال العربي ينفق بسخاء في انجلترا وفرنسا وإسبانيا وبات الأمراء وأثرياء الخليج ينفقون على كرة القدم الأوروبية ولا ينفقون على الفقراء والمساكين في ميانمار وأنجولا وجنوب السودان..
اليوم تشهد مقاطعة “المارسايد” واقعة كروية عالمية بين فريقين موطنهما انجلترا وهويتهما عالمية.. في سباق اللهث وراء البطولة الإنجليزية الأغلى عالمياً، والأكثر جاذبية للمشاهدة.. في ملعب “الانفيلد رود” بمدينة “ليفربول” يخوض كبير المدينة مباراة مهمة في سعيه للظفر بلقب تمنّع عليه لمدة طويلة جداً، حينما يلتقي بفريق يمثل أثرى أثرياء أندية العالم “مانشستر سيتي” فريق دولة الإمارات العربية في بريطانيا الذي يملك أسهمه منصور بن زايد آل نهيان، وقد أنفق منصور بن زايد على الفريق السماوي أكثر من 300 مليار دولار أمريكي خلال (7) سنوات، فانتقل من قاع الدوري إلى القمة.. متفوقاً على الأندية التاريخية في مهد كرة القدم “مانشستر يونايتد” و”أرسنال” و”ليفربول”، وقد احتكر منذ ثلاث سنوات كل البطولات الإنجليزية.. وقهر فريق اليهود “شيلسي” الذي يملك أسهه الملياردير الروسي إبراهمفيش، وهي المعركة الوحيدة التي كسبها عربي في مواجهة إسرائيلي منذ حرب أكتوبر عام 1973م.
في مباراة اليوم تتوقف عقارب الساعة، ويتسمّر أكثر من مائة مليار من سكان الكرة الأرضية أمام شاشات التلفزة لمتابعة سحَرة العالم وأغلى الأقدام في معركة بدون دماء وفقد في الأرواح، معركة بين أفضل مدرب في العالم الاسباني بين غورديلا وبين الداهية والمحارب الألماني العنيد جورج كلوب.. معركة في الميدان بين المال الخليجي والتاريخ الإنجليزي بأقدام من كل قارات العالم وشعوبه الضالة والمضللة..
في مباراة اليوم تحضر دولاوتغيب أخرى.. كتيبة الإسباني بيت غورديلا يحرس مرماها الشيلي برافو.. بعد إصابة البرازيلي إندرسون، وفي دفاع السيتي يلعب الإنجليزي ووكر.. والأرجنتيني مندي، والكنغولي الأصل والفرنسي الجنسية مندي، وفي وسط الميدان التركي الأصل والألماني غودغان والبلجيكي دي برونيا والبرتغالي سيلفا، وأمامهم الساحر الأرجنتيني أغويرو ومحارب الصحراء وغزالها رياض محرز.. بينما في الطرف الآخر فريق ليفربول الذي يمثل التاريخ والعراقة في مواجهة الثروة والمال يحرس مرماه البرازيلي بيكر وفي دفاعه الهولندي من أصول سورينامية، فإن دايك والكرواتي ديان روفرين في غياب الكاميروني ماتيب والإنجليزي اسكندر أرنولد والاسكتلندي روبسون، وفي وسط الملعب البرازيلي فاقيتو والانجليزي هندرسون والغيني نابي كيتا.. وفي الهجوم أسد السنغال ساديو ماني والفرعون المصري محمد صلاح والدناميت البرازيلي فرمينو..
إنها مباراة الموسم الحالي.. ينتظرها الشباب بشغف والشيوخ بأمل تفريج الهم لساعتين ولكن مباراة مثل واقعة الانفيلد رود بين ليفربول والسيتي تتجاوز كرة القدم إلى الثقافة والسياسة من جهة، وجهة أخرى غير المألوف من الأشياء..
فإلى شاشات التلفزة لشحن البصر بجماليات كرة القدم في أبهى تجلياتها..