لیس ذلك فحسب..!
“الحكمة أفضل من أي ثورة”.. سوفوكلیس..!
أذكر أن مجلةً أمريكية – ذائعة الصيت – كرمت قبل فترة صحفياً سودانياً كان ولا يزال مقیماً في أمریكا. وذلك من خلال نشرها لتقریر احتفائي یضعه في مصاف أھم وأكبر كتاب ومحرري الصحافة الاستقصائیة في بلادھا. وھذا جمیل
ومؤثر وباعث على الفخر دونما أدنى شك ..!
ولكن، على صعید آخر متصل لاحظت أن ابن وطني الفائز بالتكریم – وفي معرض إھدائه التكریم للشعب السوداني عبر زاجل الأسافیر – قد صور بیئة التعامل الاجتماعي والعمل العام في السودان قبل مجيء حكومة الإنقاذ وكأنھا مدینة فاضلة، وھذا لیس صحیحاً. لیس لأن فترة حكم الإنقاذ ھي الأفضل، ولكن لأن ھنالك دوماً مساحة رمادیة في سلوك الشعوب والحكومات – على إطلاقه – وھي مساحة ضاجة بالنجاحات.. والتعقیدات.. وحافلة بالنبل.. والخسة.. والفشل.. والوفاء.. والتناقض.. إلخ.. وعلیه فلا یمكن اختزال الأحداث – وبالتالي إطلاق الأحكام – في خیرٍ صِرفٍ أو شرٍّ محض ..!
أقول ھذا لأنني أربأ بنخبة ومثقفي بلادي عن مثل ھذا التبسیط العاطفي المُخِل بعمق التجارب وثراء المراحل. فكل التعمیمات خطیرة أیضاً- كما یقول الكساندر دوما – بما فیھا ھذا التعمیم نفسه..!
وقد لاحظت أن ھذا النوع من الإیغال في الشجب والتندید بأفعال ومواقف.. وأھداف ومآرب.. وعلل وإشكالات.. ومزالق ومھالك هذا العهد أو ذاك – والذي یكاد یقف أحیاناً على تخوم الشطط – یكثر عند المغتربین والمھاجریين، ربما لقلة مواكبتھم للراھن الاجتماعي والسیاسي عن كثب ربما، أو لكثرة عاطفتھم الوطنیة الجیاشة. بینما ما نعیشه الیوم حقاً – من فشل سياسي تخبّط حكومي – ھي حال برتبة “مصیبة” لا یمكن تفكیك أسبابھا بعیداً عن أزمة النخب السیاسیة القدیمة المتجددة وتاریخ الممارسة الدیمقراطیة داخل الأحزاب السودانیة نفسھا..!
لعلھا “عقدة استوكھولم” ھي التي جعلت اللا منتمین سیاسیاً- من أمثالنا – لا یحملون حكومة الإنقاذ وزر كل شيء.. لعلھا.. ولعلھا.. ولكن إشكالیة الحكم الرشید في ھذا السودان – في
تقدیري – تبدأ من عیوب النشأة واضطرابات التشكیل وانعدام المراجعات الفكریة للتجارب ..!
والنتیجة ھي عجز الحكومة والمعارضة معاً عن استقطاب الكثیر من الرموز المستنیرة المؤمنة بالتغییر في ھذا الجیل الجدید الواعد. حتى بات الوجه الآخر لفشل أي حكومة ھو فشل المعارضة نفسھا في أن تصبح مؤسسات وطنیة تقترب بمواقفھا ووقفاتھا من أوجاع الشعب وتطلعاته الحقة وأولویاته الحقیقیة ..!
وھكذا.. بین الفضفضة العاطفیة من أصقاع الھجرة وعبر فضاءات الأسافیر والفضفضة المبذولة للاستھلاك المحلي كما یفعل القاعدون ھا ھنا.. أي كما أفعل الآن .. تتشظى الإجابة
الكبرى على السؤال الأكبر: إلى متى.. ثم إلى أین..؟!
من جھته أجاب ابن وطني الفائز بالتكریم على الشق المتعلق بمتى فقال – مخاطباً الشعب السوداني – إن “موعدنا عند شروق الشمس على بلاد الجمال”. أما الشق المتعلق بأین فكانت إجابته علیه ھي “قریباً بإذن الله ..!
وقد كان. ها قد انتصرت ثورة الشعب المجيدة. أما شروق الشمس فالعلم بأجله عند الله. والله وحده یعلم إن كان ذلك الشروق المنتظر سوف یوحد شتاتنا – رغم فارق التوقیت – أم لا ..!
منى أبوزید