ترجمة إنصاف العوض
وصفت صحيفة “ميامى هيرالد” الأمريكية تمديد الإدارة الأمريكية العقوبات ضد السودان بالنكسة الكبيرة للثورة السودانية، وقالت إن قرار رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب بمواصلة العقوبات ضد السودان أوضح مؤشر حتى الآن على عدم الاعتراف أو قبول التقدم الذي أحرزته ثورة ديسمبر في السودان وحكومته المؤقتة الجديدة .
وأضافت: على الرغم من الجهود الدبلوماسية المكثفة والتفاؤل المتزايد وتدخلات الدول المجاورة مثل مصر والرئيس الأمريكي السابق، جيمي كارتر لحذف السودان عن قائمة الارهاب، فإن ملاحظة ترامب إلى الكونغرس الأمريكي بتاريخ 31 أكتوبر هي بوضوح نكسة كبيرة. ورجحت الصحيفة أن تصبح المطالبة بتسليم الرئيس السوداني الأسبق عمر البشير إلى المحكمة الجنائية شرطاً مع استمرار واشنطن المطالبة بمحاكمته بجرائم الحرب، وقالت: مثل هذا الطلب من شأنه أن يخلق نزاعًا كبيرًا في صفوف المجلس السيادي الحاكم في السودان الذي تعهد أعضاؤه العسكريون بعدم تسليم البشير. مشيرة إلى أن القرار من شأنه أن يفاقم الأوضاع الاقتصادية المتردية، ومن ثم إدخال البلاد في دائرة العنف المسلح.
رغبات متصورة
وأضافت أن الأسباب الدقيقة لممانعة واشنطن في إزالة السودان من قامة الدول الراعية للإرهاب ترجع إلى الرغبة المتصورة لإدارة ترامب في إدراج السودان في سياستها “أمريكا أولاً”. وقالت إن واشنطن غير راغبة في رفع العقوبات التي من شأنها فتح الطريق بفعالية أمام فرص الاستثمار، والنفوذ السياسي والمزايا الاقتصادية التي يجب أن يستغلها المنافسون الأمريكيون مثل الصين وروسيا، باستثناء واشنطن.
فضلاً عن أن ترامب يريد دليلاً على أن الحكومة الديمقراطية الجديدة ستكون متعاطفة مع المصالح الأمريكية بما في ذلك دعم الحلفاء مثل إسرائيل.
وأشارت الصحيفة إلى رغبة الولايات المتحدة في الحصول على امتيازات نفطية وفرص استثمارية أخرى بالإضافة إلى موقف سوداني أكثر ملاءمة للسياسة الخارجية الأمريكية.
فيما أكد دبلوماسيون أمريكيون للصحيفة قلق واشنطن تجاه مخرجات قمة سوتشى الروسية التي جاءت بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتي تم خلالها وضع خطط بناء خطة للطاقة النووية مبينين أن اشنطن نظرت لتقديم المساعدات العسكرية الروسية السودان كونها تتنافى وسياج العقوبات، في وقت أكد افيه الأعضاء العسكريون في المجلس السيادي الحاكم في السودان التزامهم بقبول المساعدة من موسكو وإبرام الاتفاقيات المعلقة بما في ذلك الاستثمار العسكري والبنية التحتية المتفق عليها مع الحكومة السابقة.
شقاق سيادي
وأضافت: هناك نقطة شائكة رئيسية، فمع استمرار محاكمة الرئيس السابق عمر البشير بتهمة الفساد وغسل الأموال، فإن المطالبة بنقله إلى المحكمة الجنائية الدولية لجرائم الحرب تصبح شرطاً لتخفيف عبء الديون وإبعاد السودان من قائمة الدولة الراعية للإرهاب.
وقالت إن مثل هذا الطلب من شأنه أن يخلق نزاعًا كبيرًا في صفوف المجلس السيادي الحاكم في السودان الذي تعهد أعضاؤه العسكريون بعدم تسليم البشير. في نهاية المطاف، يمكن أن يقسم القرار الحكومة المؤقتة الجديدة ويجبرها على الاختيار بين حماية الرئيس الاستبدادي السابق من المحاكمة أو حماية الرخاء الاقتصادي المستقبلي للشعب السوداني
ومهما كانت النتيجة، فمن الواضح أن رفض ترامب حذف اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب يؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي المستمر الذي قد يؤدي، وفقًا لرئيس الولايات المتحدة السابق جيمي كارت ، إلى الإحباط في البلاد، ومن ثم دفعها إلى الغليان والانفلات الأمني مرة أخرى.
في ظاهر الأمر، تأمل واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون استخدام النفوذ لدعم السودان من أجل الضغط على الخرطوم لتوقيع أكبر عدد ممكن من الاتفاقيات والاتفاقيات الدولية لجعل السودان يتماشى مع المجتمع الدولي.
ويوجد في أعلى القائمة اتفاق بشأن اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة (سيداو) الذي رفضته الحكومة السابقة على أساس أن الاتفاقية تتعارض مع القيم الإسلامية. لقد منع قرار عدم التصديق على الاتفاقية السودان حتى الآن من الانضمام إلى مجموعات مثل منظمة التجارة العالمية. وسيقوم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بزيارة أخرى لواشنطن في الأسابيع المقبلة، ويتوقع أن يبدي استعدادًا للتصديق على الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وحريات الصحافة.
يأس وإحباط
وقالت الصحيفة إن قرار ترامب قوبل باليأس والإحباط في الشارع السوداني كونه جاء في أعقاب نداء الشهر الماضي في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك من قبل رئيس الوزراء السوداني الجديد، عبد الله حمدوك، الذي صرح قائلاً: “اسمحوا لي أن أقول بأوضح العبارات. لن تكونوا داعمين للإرهاب أبداً كان هذا الموقف سببه الحكومة السابقة التي اضطهدت شعبنا حتى تمت إزالتها. نطلب من الولايات المتحدة حذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب على الفور.
وتسببت ملاحظة ترامب فى نشر أجواء اليأس والغضب وسط الشارع السوداني الذي بدا متفائلاً بقرار إيجابى خاصة وإنه جاء بعد زيارة قام بها وفد برئاسة وزير المالية السوداني، إبراهيم البدوي والذي قدم في مؤتمر صحفي في مطار الخرطوم عند عودته تقييماً متفائلاً لتوقعات عودة الاقتصاد السوداني إلى المسار الصحيح. قائلًا، الكرة في ملعبنا لفعل ما هو ضروري لتحويل الاقتصاد.
وجاءت تعليقاته في نهاية الاجتماعات مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وأشار إلى أن السودان سيحصل على إعفاء من سداد ديونه مقابل خطة إعادة هيكلة اقتصادية متفق عليها يمكن أن تشمل الدعم غير المالي.
وقال البدوي إن “أصدقاء السودان” سيدفعون ميزانية عام 2020 إلى جانب تمويل عشرين مشروعاً تنموياً كبيراً أو نحو ذلك. ومع ذلك، قدم قدراً ضئيلاً من التفاصيل.
انهيار اقتصادي
ولا يزال السودان يعاني من أزمة اقتصادية حادة على الرغم من الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير وإعلان الحكومة المؤقتة عن حزمة اقتصادية طارئة مدتها 200 يوم. لقد نجحت هذه السياسة في تثبيت إمدادات الخبز، لكن تكلفة الأطعمة المستقرة الأخرى ارتفعت إلى مستويات فلكية.
وفي شوارع الخرطوم يبلغ سعر الكيلو من البصل ذات سعر كيلو الدجاج. يعادل كيلوغرام من اللحوم الحمراء راتب أسبوع للموظف السوداني العادي. تعتمد محاولة السودان لتحريك الاقتصاد اعتمادًا كبيرًا على الاستثمار بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي تقريبًا لمواجهة الصعوبات الحالية، كما أن وجود اسمه في قائمة الإرهاب يجعل تخفيف عبء عجز ميزان المدفوعات البالغ 60 مليار دولار أمريكي أمرًا مستحيلًا.
حذرت مجموعة الأزمات الدولية من انهيار تجربة الديمقراطية والحكم المدني في السودان، وقالت الصحيفة في تقريرها أمس إن انتقال السودان في مرحلة ما بعد البشير يحمل وعدًا بالحكم المدني، لكنه يواجه أيضًا مخاطر، من بينها تجدد التمرد والركود الاقتصادي والانحدار إلى الحكم الاستبدادي.
كما يواجه السودان أزمة اقتصادية حادة وحركات تمرد واستقطاباً سياسياً، وتمثل اتفاقية 17 أغسطس أفضل طريق لتحقيق الإصلاح وتجنب العنف المتصاعد.
وطالبت الصحيفة الاتحاد الأفريقي وأمريكا والاتحاد الأوروبي، ودول الخليج أطراف الحكومة الانتقالية باحترام اتفاق تقاسم السلطة. وتشجيع الخرطوم على تحقيق السلام مع المتمردين في مناطق الصراع. وشددت المجموعة على ضرورة إلغاء الولايات المتحدة الأمريكية اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتعيين مبعوث خاص من الاتحاد الأفريقى لمراقبة التحول الديمقراطي المدني بالبلاد.
ثقوب سوداء
وقالت الصحيفة إن الاستجابة البطيئة والوعود الفارغة من الحكومات الغربية دفعت كلاً من رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك ورئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان لزيارة كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة من أجل الحصول على الدعم المالي لإبقاء حكومتهم على قيد الحياة، بعد أن أضعفت الإجراءات الأمريكية الزعماء المدنيين الجدد وهددت بنسف التحول الديمقراطي.
وقالت الصحيفة إن التحديات التي تواجه السودان هائلة، تجعله عاجزاً عن انتظار التغيير في السياسة الغربية. وأضافت: يعاني السودان المنكوب بعقود من العقوبات الأمريكية وسوء الإدارة في عهد البشير، من ارتفاع التضخم والدين الخارجي الضخم الذي يقارب 60 مليار دولار والنقص الكبير في السلع الأساسية، بما في ذلك الوقود والخبز والأدوية. فيما كشف مسؤول رفيع بالحكومة الأمريكية للصحيفة تباطؤ الغرب في مساعدة السودان قائلاً: لم يتخذ الغرب أي خطوات ملموسة لمساعدة السودانيين ما نراه الآن هو كلمات ولكن لا توجد أفعال. إنهم يطالبون بأشياء قد تستغرق سنوات لمعالجها. وأضاف: إن المسؤولين الأميركيين والأوروبيين وضعوا شروطًا تتضمن التوصل إلى اتفاق سلام مع الجماعات المتمردة في البلاد، بالإضافة إلى معالجة دور قوات الأمن السودانية في المرحلة الانتقالية فضلاً عن عدد كبير من الشروط.
وكشف المسؤول بأن ستيفان أوزوالد، مدير منطقة أفريقيا جنوب الصحراء في وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية في ألمانيا، أخبر الوفد السوداني الذي زار برلين مؤخرًا أنه من المهم بناء الثقة حول كيفية إنفاق المساعدات الأجنبية، ومخاطبة ثقوب سوداء في إشارة إلى تأثير قوات الأمن التي خدمت نظام البشير على مدى عقود.