الإسلام يُواجه حرباً من أدعيائه أكثر من أعدائه
يتوجّب علينا الانتظام لدفع ظلم الإرهاب والتكفير والتفجير والإلحاد والتشيع
ما رأيت بلداً مُنظِّماً للاحتفاء بالمولد في جميع الأمكنة والأزمنة مثلما رأيت في السودان
الدين غاية أسمى وأعظم من أن نقف عند حدوده الظاهرة
الإسلام ليس في حاجة إلى مظاهر خادعة ولحى طويلة
الشيخ الدكتور السيد رشدي شلبي الأزهري من علماء الأزهر الشريف، حلّ ضيفاً عزيزاً على الخرطوم وهي تحتفي بمولد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وشارك احتفالات البلاد بهذه المُناسبة، وقدم عدداً من المُحاضرات القيمية، حيث طَافَ بالحُضُور حول المدينة التي تزيّنت بلقاء المحبوب، واصطحبهم إلى رحلة في ديار بني سعد ومعاني الإنسانية وأسرار وأنوار النبي عليه الصلاة والسلام، جلسنا إليه بين تلك الخيام ليُحدِّثنا عن تحديات الأمة الإسلامة وكيفية الخروج من مأزق التكفير والتفجير، ورؤيته لاحتفالات السودان بالمولد النبوي الشريف، وخرجنا بهذه الخلاصة:-
حوار: علي الصادق البصير
*يقول الفضلاء من أهل العلم إن السيرة النبوية ليست قصصاً تُروى، وإنما للتأسي وأخذ العِبَر، هل ينطبق هذا المبدأ على الاحتفال بالمولد النبوي الشريف؟
كل عام والشعب السوداني الشقيق والأمة العربية والمسلمين في كل بقاع الدنيا بخير وعافية وستر، بهذه المُناسبة العظيمة ميلاد خير خلق الله (صلى الله عليه وسلم)، ونحن إذ نحتفي ونحتفل بميلاد سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فأول ما يجول في أذهاننا سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ولا شك أنه ما من موقف وما من مشهد تقرأ فيه السيرة كما تقرأ في مولد سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على العموم وعلى الخُصُوص، اما في المساجد او الخيام او موطن كل طريقة وكل فئة تحتفل برسول الله (صلى الله عليه وسلم) على الطريقة الخاصّة بها، لكن تبقى السيرة النبوية هي الحاكم الأول والأخير مع مدائح سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولعمري أن أقول إنّ البشرية جميعاً نحن نحسن استقبال المُناسبة ولا نحسن المعايشة، نحسن استقبال الميلاد بالفرح والسرور والأطعمة والأشربة والحلوى وهذا محمودٌ، ولكن ما هو أحسن من ذلك أن نحسن مُعايشة المُناسبة ونحسن قراءة سيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومعرفة أصحابه ومعرفة أمهات المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين ومعرفة محبة آل سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم).
*كيف وجدت احتفالات السودان بالمولد النبوي؟
لعلِّي زُرت السودان قبل ذلك، ولم تكن زيارتي في موسم المولد النبوي الشريف، وزُرت بلاداً كثيرة في مُناسبات عظام كمُناسبة المولد النبوي، غير أن السودان لأول مرة أزره في ميلاد النبي (صلى الله عليه وسلم)، وأقولها: ما رأيت بلداً مُنظِّماً للاحتفال والاحتفاء برسول الله (صلى الله عليه وسلم) في جميع الأمكنة والأزمنة مثلما رأيت في بلاد السودان وهذا ليس جديداً.. فالشعب على العوام يمسكون مسابحهم وإن لم يكونوا ينتسبون إلى الطرق الصوفية ولا يعرفون غير مَحَبّة النبي والصلاة عليه.. ما رأيت من تنظيمٍ للخيام.. هذا الشكل الأنيق الذي يُليق بهذه الجموع المباركة يُؤكِّد على المَحَبّة ويُؤكِّد العلاقة الطيبة بين بلاد مصر النيل والأزهر والسودان النيل والمَحَبّة، فمصر الرياض وسودانها عيون الرياض وخلجانها، تتم مصر ينابعه كما تمم العين إنسانها، وما هو ماء ولكنه وريد الحياة وشريانها.
إن هذا النهر الذي يجري مُتمِّماً من بلاد السودان إلى بلاد مصر مُحقِّقاً قول الله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)، هذه الحياة التي نستنبعها من الماء مُستودعة في محبة رسول الله لأن الله تعالى قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)، فنحن نرى أنّ هذا الشعب في هذه الحالة من المحبة فما ينقصنا إلا أن نقول: ليت هذه الملايين نُظمِّت على هذه المَحَبّة لتدفع راية السُّوء التي تجول ببلاد العرب والمُسلمين، ولتعلن راية المَحَبّة التي تُنظِّمها علائق التصوُّف لتُخلِّص الناس من أدران أحوال الشهوات أنفسهم وتستخرجهم من ظلمتهم إلى نور رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومن جهلهم إلى علم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومن ضلالهم إلى هدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
*كيف الخروج من الأزمة التي تمر بها بلاد المسلمين؟
تأتي علينا هذه المُناسبة وأقولها مُتيقناً فهي فرصة ذهبية للناس جميعاً أن يخرجوا من هذه الأوحال ومن هذه العلائق، فإن مَحَبّة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تخرجهم إلى روحانية ملموسة ومَحَبته والتعلُّق بالذات الجناب الشريف تقضي بنا إلى مقاصد نتدبّرها في قول الله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ)، (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، وتقتضي فينا حالة من الروحية مُشبّعة بظاهر الأقوال والأفعال وبنور الأحوال والأسرار، وتقتضي فينا أن نخرج من ظاهر العبادة الذي تعلّقت به الجماعات الإسلامية وظنوا أنّ الدين طُقُوسٌ تُؤدى بظواهر الأمور من حفظ وصلاة، وما عرفوا أن الدين غاية أسمى وأعظم من أن نقف عند حدوده الظاهرة فقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، بل أن الفرائض الظاهرة تعقبها فرائض باطنة من يتأمل معي فريضة الصلاة يتأمل فيها أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فريضة الصيام من يتأمّل فيها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، تأمل ترجمة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) للصيام حين يقول (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، رب صائم ليس من صيامه إلا الجوع والعطش فالصيام مبطن أرقى وأنقى مما في ظاهر الصيام.. من يتأمل فريضة الزكاة (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ) والتطهير هنا من رُعُونات النفوس وتزكيهم ليرتقوا إلى حضرة القدوس، فريضة الحج يتأمل قول الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)، زد على ذلك (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ) (وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).. هذه المعاني مُستوجبة حين تجتمع الأمة في ميلاد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، حين يخرجون من هذه الظلمات والروعات وإذا أرادت الأمة صحيحاً تلوذ به في هذه الظلمات فمخرجها التصوف الصحيح المنضبط والقائم على الكتاب والسنة.
*ما هو التصوف الصحيح والمُنضبط؟
هذا السؤال تقدّم به أحد تلاميذ الشيخ الإمام زكي إبراهيم فرد عليه بالقول:
أقول الحق مقتنعاً وليس في من يقول الحق تعويجاً “ليس التصوف رقص الراقصين ولا طبل وزمر وتصخاب وتهييج
ولا هو الذكر بألفاظ ساذجة محرفات, ولا صعق وتشنيج
ولا مواكب رايات مُلوّنة فيها لما يغضب الديان ولا هو العمة الكبرى, ولا سبح حول الرقاب ولا جمع مفاليج”، إن التصوف (فقه الدين) قاطبة والفقه بالدين توثيق وتخريج
هو الكتاب, وما جاء النبي (صلى الله عليه وسلم) به وكل شئ سوى هذا فمحجوج.. إنّ التصوف سر الله يمنحه من قد أحب وحب الله تتويج.
*تحدثتم عن جماعات تفرقت بها السبل، تتحدث باسم الإسلام تكفيراً وتفجيراً نود معرفة رؤيتكم لهذه الجماعات؟
الحقيقة إن أرادوا المعرفة الحقيقية، فالطريق واضح والنور لائح وليس لدى العلماء الربانيين إلا أن يشيروا عليها، وعلى السائرين السير في طريقهم
أما إن أرادوا غير ذلك فكلٌّ أعلم بحاله مع الله وااسفاه على ما وصلت إليه أمة الإسلام، فقد حورب الإسلام من ادعائييه أكثر مما حورب من أعدائه وهم ينتسبون إلى الإسلام زوراً وبهتاناً وإلى العربية ظلماً وعدواناً ثم يعيثون في الأرض فساداً مفجرين ومكفرين وها هم روعوا البلاد وأجروا في العباد الدماء في إعداد منظم لاحتلال المراكز الجوهرية، وإذ كلما ترى وزراء يركبون الورى ركوب المطية، فتّشوهم وأمعنوا تجدوهم أكذب الناس مظهراً وطوية.
الإسلام ليس في حاجة إلى هذه المظاهر الخادعة لسنا في حاجة إلى لحية طويلة وإن كانت من السنة، وهي على العين والرأس لا ننكرها رحم الله الشيخ الغزالي حينما سئل عن اللحية فقال: لو كان الدين باللحى لكان أبا جهل أولى بالنبوة، نحن في حاجة إلى نفس قصيرة لسنا بحاجة إلى أناس وكأنهم أمسكوا مفاتيح الجنة والنار يدخلون ويخرجون منهما ما شاءوا.
نحتاج إلى معارف تأخذ بأيديهم وهم بالنسبة لنا إخوة، أحب الينا أن نأخذ بأيديهم، ونحن دعاة خير وحفدة المصطفى الذي وقف إلى جنازة يهودي فهؤلاء خدعتهم أنفسهم وشياطينهم وهم إخواننا في بلادنا لا نكفر ونفجر كما فعلوا ولا نبدع كما بدعوا ولكن نقول أخطأوا فهم الطريق والطريق مفتوح وميلاد رسول الله فرصة لو صدقتم النوايا لفتحت لهم العطايا وكانت لكم من الله الهدايا.
فنحن الآن في ضيافة ولي من أولياء الله، هذا الرجل في بلاد السودان أقولها ما تكلمت معه أو جالسته إلا ورأيت فيه نوراً، وهو الشيخ مختار السماني يخفي نفسه، وهذا حال الصالحين، انظروا لمجمع الشيخ محمد توم بالرميلة فهؤلاء من يقيمون منهج الله في الدعوة، هؤلاء الناس وأمثالهم تربوا على الحقيقة المحمدية ونشأوا على ميراث رسول الله وظهروا للناس ببوارق النور والمعرفة يأخذون بأيدي البلاد والعباد ها هي زواياهم مفتوحة وها هي سوحهم وأماكنهم تشير إليهم.
ماذا تقول لأئمة التصوف والدعاة في السودان وغيره؟
إلى إخواننا وساداتنا العلماء وأئمة التصوف في بلاد السودان خاصة وفي بلاد العرب عامة، وفي بلاد العالم أجمع أقول لهم أنتم أمناء الله والواسطة بين النبي وأمته والمجتهدون في حفظ ملته أقامكم الله على خير منهج وأوقفكم على ثغور لا يقف عليها إلا موفق وحّدوا صفكم وأربأوا صدعكم واجمعوا كلمتكم، نحن في حاجة إلى وحدة الصف وجمع الشمل ونبذ الخلاف في ما بيننا وأن نكون منهجاً واحداً سوياً قويمًا ندفع عن البشرية هذه البلايا التي تمر، ندفع عنها ظلم الإرهاب وظلم التكفير والتفجير وظلم وإلحاد وظلم التشيع ندفع عنها هذه الظلمات التي تحيط بالبشرية ونخرج للناس منهج قول الله كذلك جعلناكم أمة وسطاً وما ظهر هذا المنهج إلا من الصوفية وأنتم تقفون على أصول لو تكلمت البيوت والجبال والرمال التي تمشون عليها لنطقت بولاية هؤلاء وبصدقهم في طريقهم وبإقامتهم للمنهج هؤلاء قاموا بواجب الوقت من سبقوا من العلماء والصالحين كلّ قام بالواجب الذي وجب عليه في الزمن الذي أقامه فيه.
حين نتوحد ونعلن هيئة علمية صحيحة صريحة ظهر للناس المنهج الصحيح ونتعانق مع علماء العالم من بلاد العرب والعجم نظهر للناس أن التصوف هو المنهج الراقي الرقراق الصافي الذي يوضح حقيقة الإسلام مظهراً وجوهراً الذي يوضحه شريعة وحقيقة ويقيم الأخلاق