تدخّلت الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة في ملف سد النهضة الأثيوبي، ودعت لاجتماع ثلاثي في واشنطون تحضره الدول الثلاث بُغية الوصول لاتفاق يُنهِي الخلاف بين مصر وأثيوبيا حول النقاط المُختَلف عليها المُتعلّقة بالفترة الزمنية لملء بُحيرة السد وعملية التشغيل والكيفية التي تُختار بها الشركات الاستشارية في إدارة السد، وهذا التدخّل الأمريكي المُباشر يُعَد السابِقة الأولى لإشراكِ طرفٍ رابعٍ في الحوار الثلاثي المُنطلق منذ سنوات دون أن يُحرِز أية نتيجة إيجابية .
السؤال الأرأس وليس الرئيس، يتمحوَر حول نقطة واحدة فقط، هل تملك واشنطون حلاً فاصِلاً وقاطِعاً ونهائياً للأزمة..؟ المُرجّح أنها لا تتوفّر على أية حلول واقعية، لأنها لو كانت لديها أية رغبة أو فكرة في التوسُّط بين بلديْن حليفيْن وصديقيْن لها لتدخّلت من قبل، فالأزمة ليست وليدة اليوم، وسبق أن تعقَّدت أكثر من هذا التعقيد، فكل ما تستطيع واشنطون فعله هو طرح حلولٍ توفيقيّةٍ والضغط من أجل القبول بها، ومعروفٌ أن هذا النوع من الحلول طُرِح من قبل، ولم يتَوافَق الطرفان عليه، والسودان نفسه قدَّم مِثل هذه الحلول، وسعى لتقريب الشّقة خاصة ما يتعلّق بفترة وسنوات ملء البُحيرة لكنه اصطدم بصخرة صمّاء ذات نتوء ..
وشيء آخر أن الإدارة الأمريكية لم تُقدّم الدعوة، وتستعجِل موعد الاجتماع إلا بعد شعورها بتدخّل أطرافٍ دولية أخرى مثل روسيا التي قدَّمت نفسها كوسيط، ثم أردفت ذلك بخطوات عملية بجمع الطرفين مصر وأثيوبيا خلال القمة الروسية الأفريقية التي عُقِدَت قبل أسبوعين في مدينة “سوتشي” الروسية على البحر الأسود، إضافة إلى تحرُّكات واتصالات من الصين وأطراف أوروبية وإقليمية، لا تُريد واشنطون أية مُزاحَمة في منطقة القرن الإفريقي ومصر، ومن أجل إبعاد أي تأثيرات أخرى أخذت الولايات المتحدة الملف برّمته، وما احتضانها للاجتماعات والتفاوض الجاري الآن في عاصمتها، إلا دليلاً على استِفرادها بالوساطة، وإقرار الحل ـ إن وُجِد ـ على طريقتها.
في ظنّ كثيرٍ من المراقبين، أن الإدارة الأمريكية ستُمارِس فقط ضغطاً على جانبيْ الأزمة القاهرة وأديس أبابا للقبول بالحل الوَسَط، ليست هنالك أية توقُّعات أخرى لا مقترحات سحرية لم يتم التطرُّق إليها في الجولات التفاوُضية السّابقة، ولا يُمكن ترضية مصر بأي دعم ماليٍّ مهما كان، ولا إغراء إثيوبيا للتخلي عن مشروعِها الذي بَنَتْ عليه آمال النهضة والتنمية الاقتصادية. فليس من المُتوقّع أن تُحاوِل إرغام الأطراف على ما يُمكن قبوله، وليس متاحاً حلّ آخر .
كل ما نخشاه ونتخوّف منه (الله يكضب الشينة) أن تطرح واشنطون حلاً على حساب السودان، مثل تخلِّي السودان عن جزءٍ من حصّته لمصر أو التخلّي بشكلٍ واضحٍ عن الاحتياطي المشترك، وهو عشرة مليارات متر مكعب من المياه تذهب سنوياً لمصر، ويبدو أن الوفد السوداني المُشارك وزيرة الخارجية ووزير الري ومن معها غير مُهيّئين للمفاجآت والضغوط والمساومات، وقد يُفرَض عليهم المُقترح وقد يقبلوا به، وتلك هي الكارثة إن حدثت بل قُل إنها خيانةٌ عُظمى ..!