الخرطوم: مروة كمال
“تجسير الهوة بين بين راتب العامل والمعيشة” عبارة ظلّت الحكومة السابقة وقيادات نقابات عُمّال السودان تلهث بها وتُؤكِّد سعيها على العمل لإنزالها أرض الواقع عبر جُهُود تَمركزت فِيمَا يُسمّى بسلّة قُوت العاملين المُوسمية، دُون أن تَحدث تقدُّماً في ردم هذه الهوة المُتّسعة بين الأجور والأسواق، فحديث وزير المالية عن خُطة لمُعالجة الأمر دُون الإفصاح عنها تأتي في وضع معيشي صعبٍ يُعاني منه العامل، متمثلاً في ضعف الأجور وغلاء الأسعار الطاحن، يضع الخطة رهينة خيارين، إما زيادة الأجور أو تخفيض أسعار السلع بالأسواق، فبالرغم من زيادة الأجور ونظراً للانخفاض الذي يشهده الناتج المحلي الإجمالي والذي يعني أنّه لا توجد زيادة حقيقية في متوسِّط دخل الفرد، وتظل زيادة متوسط دخل الفرد نقدية وليست حقيقية كما يحدث في السودان لسنين عددا، ولذلك فإنّه في الحقيقة أنّ زيادة الرواتب لا تتجاوز مُحاولة تغطية جُزءٍ من التآكل في الرواتب جعل من هذه الزيادات غير حقيقية في متوسط دخل الفرد والتي تظل نقدية وليست حقيقية بحسب اقتصاديين، الذين أكدوا أنّ زيادة الرواتب لا تتجاوز أن تكون مُحاولة لتغطية جُزءٍ من التآكل في الرواتب والتي لا تنطبق على جميع العاملين.
وتشير الإحصاءات بحسب وزارة المالية الى أنّ حجم إجمالي زيادة رواتب العاملين والمعاشيين بلغ 15 مليار جنيه في مُوازنة العام الحالي التي تُعاني عجزاً بلغ أكثر من (54) ملياراً، ويقدِّر خبراء اقتصاديون أنّ الزيادة التي تمت مؤخراً بالقليلة، بيد أنها تزيد رقم الأجور في المُوازنة العامة من 33 ملياراً إلى 51 مليار جنيه، خَاصّةً وأنّ الحكومة السابقة ليس لديها خيارٌ سوى أن تُعدِّل رواتب العاملين، بالرغم من أنّ التعديل الذي تم في الأجور غير مُجزٍ ولم يكن التعديل المطلوب وسط تَوقُّعات بتعديل أفضل من ذلك في ظِلّ ضعف الأجور.
لا خيار آخر
أمين أمانة علاقة العمل باتحاد نقابات عمال السودان، ممثل الاتحاد بوزارة المالية خيري النور يشير لـ”الصيحة” أن الاتحاد ظل بصورة دورية يطالب بزيادة الأجور ، لافتاً إلى تقديم الاتحاد مقترحاً لوزارة المالية لزيادة الأجور من المتوقع أن تتم مناقشته مع الوزارة خلال الأيام القادمة، جازماً بأن الأجور لا تتواكب مع مُستوى المعيشة، فالأجور تمثل 3.7% من مستوى المعيشة، وأقر بأنّ الأسعار ارتفعت بصورة جنونية منذ العام 2018م الذي شهد تحريكاً للدولار الجمركي الذي نتج عنه رفع قيمة الدولار مقابل الجنيه مما أدى إلى انفلات كبير في السواق، وقال إنّ الزيادة التي حدثت في الأجور كانت عبارة عن منحة، وأضاف أنّ الارتفاع الجنوني في مستوى الأسعار وأزمات المواصلات، بات العاملون يعانون مُعاناةً شديدةً، وشدد على ضرورة زيادة الأجور في موازنة 2020م ولا يُوجد خيارٌ غير ذلك.
تلاشي العلاقة
عن تأثير زيادة الرواتب في حال أنه خيار اتجهت إليه الحكومة في أسعار السوق، يُؤكِّد رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بمركز الراصد د. الفاتح عثمان أنّ الظرف الاقتصادي الحالي تلاشت العلاقة بين زيادة الراتب والأسعار، لأسبابٍ استند عليها الفاتح مُتمثلة في اضمحلال حجم السيولة وضعف حجم الاقتصاد مُقارنة بـ25 سنة ماضية، الذي تَضاعف عدة مرات وأصبح حجم الناتج الإجمالي يفوق 80 مليار جنيه، جازماً بأنّ ما يُؤثِّر على سوق سعر العملة ومدى ثبات سعر الجنيه السوداني مُقابل النقد الأجنبي، وأضاف أنّ انهيار العُملة الوطنية يُؤثِّر بشكلٍ جوهري على عملية ارتفاع الأسعار، وزاد: “إن معظم الارتفاع في الأسواق يتعلق في الأساس بانهيار قيمة الجنيه السوداني”.. ويؤكد لـ”الصيحة” أنّ قضية تخفيض أسعار السلع الأساس تعتمد أساساً على سعر الجنيه مُقابل الدولار، ورهن تحقيق ذلك بتوفير دعم مالي دولي للحكومة السودانية، وأضاف أنّ بدون ذلك لا يبقى أمام الحكومة غير أن تستولى على إنتاج وتوزيع السلع الأساسية بنفسها على الجمهور عن طريق البطاقات التموينية أو الجمعيات التعاونية، وقال إن لم تتبع إحدى هاتين الطريقتين فإنه يصعب على الحكومة تخفيض أسعار السلع الأساسية مع عملة منخفضة على الدوام أمام الدولار، وفيما يتعلق بتحديد فترة ستة أشهر لإحداث اختراق في غلاء المعيشة، يرى الفاتح أنها غير كافية في حال توافر دعم مالي دولي، أما إن لم يحدث فستجد الحكومة صُعُوبة في تحقيق ذلك والغالب أنها ستفشل.. وقال إنّ السلع الأساسية التي يعتمد عليها الناس في معاشهم ترتبط بسعر الجنيه أمام الدولار والذي يرتبط بالدعم المالي الدولي وبحجم الدعم على الوقود والكهرباء وهذه قضايا تحتاج إلى وقت، جازماً بعدم إمكانية تخفيض أسعار السلع بدون دعم مالي دولي أو بدون التحول لنظام التموين والجمعيات التعاونية بحيث يتم توجيه الدعم بشكلٍ مُباشرٍ للمستهلك، أما إذا فشلت الحكومة في استقطاب الدعم المالي الدولي فغالباً تفشل في تخفيض أسعار السلع الاساسية.