أحداث دامية
تجدّدت المعارك والصراعات بين الرعاة والمزارعين وسقط أربعة قتلى وستة جرحى يوم أمس الأول السبت ويوم الجمعة سقط قتيل واحد أشعل الصراع بين “النوبة الغلفان والحوازمة دار نعيلة”، هذه التفاصيل مهمة حتى لا تبدو الصورة كما في مخيلة البعض صراعاً أو قتالاً بين الحوازمة والنوبة.. ولكنه صراع محدود جداً في رقعة صغيرة، جزء من محلية هبيلا بين المزارعين النوبة الغلفان والرعاة الحوازمة دار نعيلة..
وتعود جذور النزاع لمقتل مزارع من النوبة الغلفان على يد الحوازمة دار نعيلة قبل أكثر من عام، وفشلت كل مساعي الحل لإنكار دار نعيلة واقعة القتل وتمسك النوبة الغلفان بتسليم القاتل للسلطات العدلية.. وخلال الشهر الماضي وبعد محادثة بين الوزير السابق سلمان سليمان الصافي ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك حول خطورة تداعيات الصراع في المنطقة.. أصغى حمدوك لنصائح سلمان الصافي.. وحمدوك شخصية موضوعية في التعامل مع الأحداث لكنه معزول اجتماعياً ومفروض عليه سياج، يحجب عنه الرؤية، ولكنه عندما يفلت من عقال الشفيع خضر والمطرودين من رحمة الحزب الشيوعي يؤدي واجباته كرجل دولة محترم..
وجه حمدوك عضو المجلس السيادي شمس الدين كباشي ووزير ديوان الحكم الاتحادي يوسف آدم الضي بالانتقال حالاً لمسرح الأحداث وحل النزاع وفق الأعراف والتقاليد، ونجح الفريق كباشي ووالي جنوب كردفان اللواء رشاد عبد الحميد في إبرام اتفاق الدلنج الذي قضى بسماح النوبة الغلفان للرعاة دار نعيلة من عبور أراضيهم من الشمال إلى الجنوب في رحلة العودة للمصايف في عمق جبال النوبة.. وبالمناسبة العرب الرحل يعتبرون المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية أكثر أمناً من مناطق سيطرة الحكومة.. وبين الرعاة الحوازمة والإدارات الأهلية التابعة للحركة الشعبية اتفاقيات تبادل منافع وتنظيم لحمل السلاح..
لم يمض شهران على الاتفاق الذي وقع في مدينة الدلنج حتى اندلعت الأحداث يوم أمس الأول واشتعلت المنطقة ما بين الدلنج وهبيلا.. ونفخت جهات عديدة في كير الحرب.. وأصدرت الحركة الشعبية بياناً للرأي العام حملت فيه الحكومة الانتقالية المسؤولية بسبب عجزها عن حماية اتفاق وقعته مع الأطراف.. وتعددت روايات أسباب النزاع.. كل طرف يبرئ نفسه ويدين الطرف الآخر لكسب نقاط في سياق الفتنة التي أطلت على منطقة لم تشهد خلال مائة عام حرباً قبلية بين النوبة والحوازمة بسبب التعايش والتصاهر والتمازج والمصالح المشتركة.. ولكن بالطبع تحدث صراعات ونزاعات بين بطون من الحوازمة وبطون من النوبة.. وفي مثل هذه الصراعات كثيراً ما وقف بعض النوبة مساندين للحوازمة في مواجهة نوبة آخرين ووقف بعض الحوازمة مساندين للنوبة ضد حوازمة آخرين..!!
الأوضاع الحالية تنذر بكارثة إنسانية وتصدع في جدار الوطن المتماسك إذا لم تتحمل الإدارة الأهلية مسؤوليتها في تنقية الأجواء والإمساك ببندقية الشباب الغاضب.. على أن يثبت لنا رئيس الوزراء عبد الله حمدوك مرة أخرى قدرته على مواجهة المشاكل وينتقل بنفسه إلى مسرح الأحداث يعزي الطرفين في المفقودين والقتلى.. ويظهر اهتماماً أكبر بأرواح الناس وتتخذ القيادة العسكرية إجراءات للفصل بين الأطراف ونشر قوة كبيرة من الجيش لحماية المزارعين وحماية الرعاة.. حتى لا تحترق جنوب كردفان مرة أخرى وتعود للماضي البغيض..!!