وزير الشؤون الدينية والأوقاف “نصر الدين مفرح” لـ (الصيحة) (1ـ2)
فارقتُ حزب الأمة منذ 2007.. والشارع أتى بي للوزارة
أرفض التطبيع مع إسرائيل ودعوتُ يهود السودان فقط للعودة
أتمتّع ببُعد ديني سياسي ولهذا (…) أتحدث بلغة الشارع
أي حرية في الدنيا هي حرية مضبوطة، وليست هناك حرية مُطلقة
(أي زول ما عايز كلام الشارع هو ضد الثورة)
هذه هي (…) حيثيات وقوف مجلس الوزراء مع (البوشي)
الجمهوريون ليسوا جماعة دينية بل حزب سياسي
على الرغم من صغر سنه، إلا أنه بدا أكثر فهماً ووعياً بقضيته التي خرج وثار لأجلها، غير آبه بسهام النقد التي صنًفته وزيراً مثيراً للجدل من خلال تصريحاته التي أطلقها وما زال، ودعوته لليهود للعودة إلى السودان مجدداً.
كان الوزير المعلم القادم من معقل الأنصار بالجزيرة أبا، وزير الشؤون الدينية والأوقاف “نصر الدين مفرح”، أكثر إنصاتاً واهتماماً لما نلقيه عليه من أسئلة، حاضراً ومُلمّاً بكل تفاصيل وزارته وملفاته التي بدأ العمل عليها، يرفض تصنيفه بأنه حزب أمة، مؤكداً على أنه ناشط سياسي يتحدث بلغة الشارع.
موضحاً في ذات السياق، أنه لم يقم بدعوة اليهود الصهاينة، وأنه يرفض التطبيع مع إسرائيل، ولن يقوم بزيارتها يوماً ما، وإن قّدِّمت له دعوة.
عدد من المحاور طرحناها على ضيفنا في مواجهة كان جاهزاً لها، تعرّفنا خلالها على عمله وخطته في ظل متغيرات فكرية وثقافات وافدة، أضف إليها دعوات للعلمانية ومد كنسي وتطرف فكري، وأفكار مغلوطة للمدنية.. فإلى الأسطر التالية..
حوار ـ هبة محمود سعيد
تصوير ـ محمد نور محكر
*بداية، حدثنا كيف أتيتَ لهذه الوزارة، فأنت على مستوى حزب الأمة لم تكن من قياداته ولم تكن ظاهراً فيها، البعض يرى أنك صنيعة ثورة؟
– أولاً، أنا “نصر الدين مفرح”، منحدر من منطقة النيل الأبيض، وتحديداً من الجزيرة أبا، معلم بالمدارس الثانوية، وفي ذات الوقت داعية في مسجد الأمة بربك، هذا المسجد صُنّف كأحد المساجد التي تقدم نقدًا موضوعياً جداً للنظام السابق، على اعتبار أننا كنا ضده وناشطون سياسيون له، ونعتقد أنه سلب حقوقنا، وفسد في إدارة البلاد، ولذلك كانت الخطب جلها تذهب في الاتجاه الديني الروحي وتقديم تجربة الإنقاذ للناس بمعانيها الموجودة في واقع الناس، والناس كانوا يأتون للمسجد من أماكن بعيدة لأن الخطبة تناقش وتلامس واقع الحياة الاقتصادي والسياسي والديني والأمني والثقافي والاجتماعي، وحتى الرياضي، وبالتالي من ذلك المنطلق كنا عرضة للاعتقالات في أوقات متعددة.
وعقب اندلاع ثورة ديسمبر، أتيت للقيادة، وكنت أحد أئمتها، وكنت ألقي في المسرح الكبير ندوات ومحضرات في أماكن متعددة وهكذا، ولذلك عندما جاء الترشيح للوزارات أنا كنتُ ضمن المرشحين، وأصبحت جزءاً من طاقم الدكتور عبد الله حمدوك للعمل على الفترة الانتقالية. أما فيما يتعلق بانتمائي لحزب الأمة، فأحب أن أقول إنني فارقتُ مؤسسات هيئة شؤون الأنصار في العام 2007، كنت في المكتب التنفيذي، وقدّمتُ استقالتي، وليس لدي أي وضع تنظيمي في الهيئة، وفارقتُ مؤسسات حزب الأمة في العام 2009 عقب المؤتمر السابع.. لذا أنا ليست لدي علاقة ولا وضع تنظيمي في مؤسسات حزب الأمة، لا في الوحدة الإدارية ولا في المحلية، ولا في الولاية، ولا في المركز.
كيف أتيت للوارة إذاً؟
– أتيت عبر تجمع المهنيين ومبادرة المجتمع المدني هم الذين قاموا بترشيحي.
*صُنّفتَ وزيراً مثيراً للجدل بسبب تصريحاتك، فأول تصريح لك هو دعوة اليهود للعودة إلى السودان؟
-النظام السابق قام (بأدلجة) الناس بخطاب محدد، وهو قضية الإسلام السياسي، وقام بتوجيههم في وجهة محددة وكان الخطاب (باغضاً) للآخر المختلف معه، سواء كان يهودياً أو مسيحياً أو أقلية أو غيره، وبالتالي من هذا الباب كانت المشكلة الأساسية هو الاتجاه الإسلاموي المعبأ، وكان من الطبيعي أن شخصاً أتى لوزارة الشؤون الدينية، وسُمّيت دينية لأنها تضم مجموعة من الأديان سواء كان (مسيحي ـ إسلامي ـ يهودي)، أو حتى الأديان الوضعية عبدة الحجارة، الكجور، وقس على ذلك، ولذلك كان من الصعب جداً من أول وهلة أن يتم تقبّل تصريح لشخص ينادي بحق أقلية كانت موجودة وهم سودانيون. أنا لم أدعُ اليهود الصهاينة المغتصبين لأرض فلسطين، وهناك فرق كبير. أين الفرق؟ هناك فرق ما بين شخص نادى بإخوانه السودانيين مثلهم والأقليات الأخرى (المسحية ـ الأرمنية)، هؤلاء كانوا في حقبة زمنية معينة يشكلون كتلة اجتماعية اقتصادية في البلاد منذ العام 1880 ـ 1969 بسبب الضغط والكبت وقصة نميري بترحيل الفلاشا كانت واحدة من الأسباب التي عنّفتهم وجعلتهم يهاجرون، وهذا في اعتقادي قهر (اجتماعي ـ سياسي)، وهم سودانيون مؤصّلون، جزء منهم أسلم وجزء منهم بقي على يهوديّته، وجزء منهم تداخَل مع المجتمع، وما زالت بقايا منهم موجودة وأراضيهم موجودة.
*إذا قًدمت لك دعوة منهم لزيارتهم في إسرائيل أعقاب تصريحاتك بعودتهم للسودان، هل ستلبيها؟
– أنا لن أذهب إلى إسرائيل، لكن إذا دعوني إلى مقابلتهم في أي بلد آخر، سوف أُلبّي الدعوة على الفور لأنني مسؤول منهم وهذه وزارتهم.
*تؤيد التطبيع مع أسرائيل؟
– لا..
*حتى نكون أكثر صراحة، هناك انتقادات تُوجّه لكم على اعتبار أنكم حكومة (ناشطين) من خلال تصريحاتكم الغريبة، الاتهامات تطالك بأنك لا تتمتع بوعي سياسي وتحدث بلغة الشارع، وأن الميدان هو الذي شفع لك وأتى بك إلى هذا المنصب؟
– ضاحكاً.. أنا الشخص الوحيد الآن الذي يتمتع ببعد ديني سياسي، لا شك أنني ناشط سياسي، عملت أركان نقاش متعددة في الجامعات وناظرت، وعملت ندوات سياسية ومتعددة، وكنت جزءاً من حراك ديسمبر وأصيل فيه، وكنا ندرب الناس على ترتيب حالهم على العمل السلمي، منذ العام 2013 عقب فشل ثورة سبتمبر لم نجلس صامتين، كنا ننشط الناس لترتيب حالهم لتمضي السلمية بحالها الذي مضت عليه، ونضغط عليها، ولذلك من يقول إن الطاقم الوزاري في حكومة حمدوك لا يتمتع ببعد سياسي هو حديث لا علاقة له بالواقع، هذا الطاقم ناشط وسياسي ومحنك جداً وإداري، وإلا لم يكن أتوا لتقلد هذا المنصب، لأن الـ (سي في) هي التي أتت بهم.
ثانياً الحديث عن أنني أتحدث بلغة الشارع، أقابله بسؤال من الذي أتى بي إلى هذا المنصب، هو الشارع بدون شك، الشارع يريد الحرية والعدالة والمساواة والسلام والإبعاد القيمية، ولذلك لابد لنا أن نتحدث بلغة الشارع (أي زول ما عايز كلام الشارع هو ضد الثورة).
*الحرية والعدالة التي تتحدث عنها هل تتوافق ودعوتك لضبط الخطاب الديني! الإنقاذ على سوءاتها لم تضبط الخطاب الديني، فلماذا هذا التناقض؟
-شوفي ..أي حرية في الدنيا يتمتع بها الشخص هي حرية مضبوطة، ليس هناك حرية مطلقة. تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخر، أنت حر في (تصرفاتك ـ فهمك ـ انتماؤك الفكري ـ مشاربك المذهبية)، لكن في ذات الوقت أنت مضبوط عندما تبدأ حرية الآخر، وبالتالي عندما تتعدى على حرية الآخرين وتعتقد أنها حرية، فهو حديث غير صحيح، ولذلك عندما تحدثنا عن ضبط الخطاب الديني، قصدنا أنك حر في ما تقول وما تشاء، لكن في النهاية أن تنضبط في حدود حريتك عندما تبدأ حرية الآخر.
*من هذا المنطلق نجد أن مجلس وزراء بأكمله آزر وزيرة الشباب والرياضة ولاء البوشي عندما تم الاعتداء على حريتها من قبل الشيخ عبد الحي يوسف، أم ماذ؟
– أولاً مصطلح أن مجلس آزر الوزيرة، هو مصطلح مطلق، وزارة ولاء هي جزء من المجلس، ونحن لم نقف معها لأنها هي ولاء، ولكن لأنها قضية تتعلق بأعمال المجلس، ولم يتم توجيه وزير العدل للتدخل في الموضوع ولكن لمتابعته، لأن اثنين أمام قاضٍ لا يوجد هناك ما يدعو للتدخل، ولذلك الجميع يجب أن يفرق ويعلم، الناس يقولون إن مجلس الوزارء تضامَن، هؤلاء الاثنان سودانيان والاثنان رعايا من رعايا الدولة، لم نقف مع شخص.
المعروف أن تصريحات دكتور عبد الحي بتكفير ولاء البوشي لاعتبار أنها تتبع للحزب الجمهوري، من هذا المنطلق.
*أقول لك إن الكثيرين وجهوا انتقادات حادة لكم بأنكم جئتم لهدم مبادئ الاسلام، وفتحتم الباب أمام الجمهوريين، في وقت قامت فيه جميع الحكومات السابقة بحظرهم لجهة أفكارهم ومعتقداتهم البعيدة عن الدين الإسلامي؟
-أولاً الجمهوريون حزب سياسي وليس جماعة دينية، ولكن دعيني أقول لك الآتي، وهو أن الحجة تُقارَع بالحجة وليس بالعنف، وبالرجوع لأصل الدين نجده فتح باب الحريات (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (لست عليهم بمسيطر) هذا كلام الله، ليس ذلك فحسب، الرسول عليه الصلاة والسلام عندما كان في مكة لم يناد شخصاً بـ (مشرك) أو (كافر)، على العكس كان يعاملهم باللطف واللين، وكان يتعامل معهم وعندما ذهب إلى المدينة كانت كل التشريعات التي شرعت كانت على أساس أن الناس سواسية كبشر في الكرامة والآدمية، لكن يختلفون في أديانهم، والنبي (ص) عاش مع اليهود والمسيحيين وحتى عبدة النار من المجوس وعقد معاهدات معهم، وكان هناك تعايش ديني وسلمي، وهذا المنطق الذي أراه، لكن قصة التعنيف والتكفير والزندقة والتفسيق كلها مفردات صادمة وجارحة، لأن الذي يبين لي التكفير هو اللسان، الشخص يقول أنا كفرت بربكم وبصلواتكم، وهذا هو (الكفر البواح)، لكن الداعية عندما يأتون إليه في المسجد يجب أن يقول الخطاب الذي يلم ولا يفرق، يقول القول الحسن كما قال تعالى (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) ربنا قال (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، فالداعية يفترض فيه انتهاج النهج الحقيقي الذي يختلف معك في الأصول يكون هناك فراق بينك وبينه، لكن الذي يختلف معك في الفروع فليعذر بعضنا بعضاً إذا اختلفنا. ولذلك دعونا ندير خلافاتنا بحرية وحجة ومنطق، إن لم تستطع إقناع الآخر لا يوجد هناك ما يدعوني لمحاربته وتكفيره، لأن قضية الكفر صعبة، النبي قال (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما) و(سباب المسلم فسوق وقتاله كفر).
*هذا يجعلكم بالتأكيد أمام مهمة صعبة في الفترة القادمة، في ظل التعدد الديني في السودان مقابل المد الكنسي والتطرف الفكري؟
-أنا الآن أنتهج نهجاً اسمه نهج الاعتدال والوسطية (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم)، قمت بعمل تطواف على المجموعات الدينية الكبيرة وعلى الطوائف، وما زال التطواف مستمراً، ذهبت إلى أنصار السنة وإخواننا وساداتنا الصوفية والأنصار والختمية والإخوان المسلمين، وتحدثت معهم عن أن هذا العهد عهد جديد نريد فيه انتهاج الاعتدال والوسطية، ونريد عمل إحلال للسلام في البلاد وتعظيم قتل النفس وكيفية إدارة التنوع في البلاد ومحاربة الغلو والتطرف، ونبذ الإرهاب والكراهية، وجميعهم بالإجماع وافقوا على المبدأ، وقلت أجرب الأمر ومعرفة ما إذا كانوا صادقين أم لا في موافقتهم لي، فقمت بعمل ورشة لمئتي داعية، كانت عبارة عن محاصصة، أتيت بـ (80) من الصوفية و(30) من الأنصار، و(20) من أنصار السنة، والإخوان المسلمين (10)، والبقية تم توزيعها على المستقلين غير المنتمين لفكر، وقمت بإعداد 14 ورقة جميعها في الاعتدال والوسطية ومحاربة الغلو والتطرف وإدارة التنوع وأدب الاختلاف وحقوق المرأة في الإسلام، والـ14 ورقة أيضا قمت بتوزيعها محاصصة ، اثنتان للإخوان المسلمين واثنتان للسنة وثلاث للـنصار وخمسة للصوفية والبقية وزعتها على أساتذة جامعات ومفكرين، كانت ورشة في قمة الروعة وفي ختامها عندما خاطبتهم قلت لهم إن الاختلاف كان شيئاً تصورياً في العقول، ولكن لا اختلاف في الواقع، وأكدوا على ذلك واتفقنا على عمل قوافل دعوية في أنحاء السودان، وبالتالي هذه خطتي التي أمضي بها لمحاصرة قضية الغلو والتطرف، وجميعنا نعمل على ذلك، وسأقوم في الفترة القادمة بتدريب دعاة، وبانتهاء الفترة الانتقالية سنجد أن حوالي 7 آلاف مسجد جميعها تنتهج نهج الوسطية والاعتدال، وهذا هو الدين الحقيقي الذي أفهمه أنا وهو دين الفطرة.
* هي بالتأكيد فكرة جيدة إذا تم إنزالها على أرض الواقع، لكن هناك الكثير من المعوقات لإنزالها في ظل متغيرات فكرية وثقافات وافدة؟
– ليس هناك فرق بين القول والعمل، أي شخص يرفض أدب الاعتدال والوسطية ولا يحارب الغلو والتطرف تأكدي تماماً أنه بعيد عن واقع الناس، ولذلك يخيل لي أنه ليست هناك صعوبة في إنزال هذا الأمر على أرض الواقع.
*حتى وإن كانت هناك دعوات للعلمانية وفهم خاطئ للمدنية، الآن شكل المظهر العام بدأ يختلف بعض الشيء في الشارع السوداني؟
-بالتأكيد، لكن نحن في الفترة الانتقالية، أتينا لعمل أشياء محددة، نحن محكومون بوثيقة دستورية وإعلان سياسي، وهذا الإعلان عندما أتينا لإنزاله على أرض الواقع وجدنا أنفسنا أمام عشرة مطلوبات، المنهج الأساسي فيها هو عمل مشروع يدير أدب التنوع في البلاد، في نهاية المرحلة الانتقالية سيقام مؤتمر دستوري جامع ستتم من خلاله مناقشة كيف يحكم السودان، نحن الآن أمام فترة بحاجة لإدارة حالنا بهدوء واعتدال ووسطية بضبط الخطاب وعمل مشروع يلم الناس ولا يفرقها.
* متفائل؟
-نعم وسأنجح إن مدّ الله في العمر.