ـ أعود وصلاً لحوار مع صديق لي كنتُ قد أشركتكم فيه عبر هذه المساحة.. كان صديقي مهموماً بدفوعاتي ردًا على تسجيل “يوتيوبي” نال مني تجريحاً واتهاماً، لا سيما ما اتصل بدعوى صاحب التسجيل بأنني قد استلمت من الرئيس السابق البشير صكاً بمبلغ مالي، فقمتُ بتحويله لصالحي.. وكان مما قلته في هذه المساحة ردًا على هذا الزعم بأن البشير مسجون الآن وحساباته مكشوفة للقضاء، والأفضل أن تمضي الجهات صاحبة هذا التسجيل إلى إيجاد بيّنات بدلًا من الحديث المُطلق.. فما عاد من منطق الآن للاختباء وراء أسماء كودية وحسابات مجهولة، فقوى الحرية والتغيير تحكم البلد والقضاء مفتوح للاتهام.
ـ لكنني أعود متسائلاً عن سر إصرار هؤلاء على استخدام “عدة الشغل القديمة” رغم انتفاء الحاجة إليها منطقياً بميلاد عهد جديد… والجواب البدهي يقول بأن مثل هذه الحملات عبر أقنية السوشيال ميديا هي أدوات توظيف سياسي قذر لاغتيال الخصوم معنوياً، وتشويه صورتهم، وترسيخ صورة بعينها في حقهم؛ من جنس الفاسد وغيرها من أحكام الشيطنة الشائعة الآن.. وفي ذات الوقت ينجو الفَعَلة من أي اتهام قانوني يطالهم، فلا أحد يعرفهم أو يمكنه الوصول إليهم لمقاضاتهم.. فهم محض اسم (كودي)، ومجرد (حساب وهمي) !!..
ـ لقد تابعتُم كيف أن الفيس بوك وتويتر يُعلنان بشكل مستمر عن إغلاق صفحات عامة وحسابات عديدة يتم توظيفها ضمن حملات سياسية لصالح أجهزة مخابرات وأحزاب ولصالح دول بعينها، وقد نالت بلادنا جزءاً مُقدّراً من هذه الحملات وما تزال، فقُبَيل أيام أغلق الفيس بوك صفحات عامة شهيرة في بلادنا لها متابعوها، كانت تعمل لصالح دول في المنطقة والعالم.
ـ لقد كانت هذه الحسابات والصفحات المُزيّفة والمصنوعة تعمل لصالح أجهزة لها خط ومنتفعون بالداخل؛ تبتغي بهذا السلوك تضليل الرأي العام السوداني وتغبيش وعيه وإرباكه.
ـ لقد انتعشت الآن في الساحة الإعلامية تجارة التلاعُب بالرأي العام عبر تسويق الأخبار الكاذِبة، وقيادة الحملات المُضلّلة، واللعب بالأصوات والاستفتاءات واستطلاعات الرأي العام، وأعداد وأرقام مشاهدات الفيديوهات، وصناعة “الترند” و”الوسم” أو “الهاشتاق”… كل هذا يتم الآن وبكثافة في العالم والمنطقة، مما جعل الدول تعمد إلى إنشاء جيوش إلكترونية عساها تستطيع أن تقاوم بعضاً من هذه الأخطار.
ـ والسؤال المهم الذي ينبغي أن يكون نصب أعين الجميع هو: كيف يمكن لنا أن نُقلّل من هذه المخاطر، ونعظّم من فوائد هذه الأقنية الجديدة؟! فلا جدل أن هذه الوسائط ساهمت في تحطيم الحواجز وكسر القيود، وباتت مساحة تفاعًلية مُتقدّمة. ولكن من قال أو يستطيع أن يقول إنها لم تعُد الآن كذلك مساحة في المقابل لهدم أمن المجتمعات وتدمير تماسُك الدول؟
ـ لقد بات الرّهانُ وبشكل أكبر أن تدخل مؤسساتنا التعليمية في عملية التحصين هذه، بجانب تطوير ملكة النقد للفرز السليم بجانب دخول أهل الإعلام بأدواتهم لهذه الحرب عسى أن يُساهموا في درء بعض هذه المخاطر، ولكن المعول عليه قَبلاً وبَعداً هو الوعي .. الوعي، ولا شيء سواه!