بينما يبدأ (عبدون) في لملمة الأزمة ومطايبة الناس و(الطبطبة) يأبى أخوه (الضكير) إلا أن يمارس هوايته المعتادة – بل حرفته- في إعادة (تثوير المشكلة) والتنبيه بأن المعركة انتهت، ولكن الحرب قائمة، فيعود كل الرماة إلى أحد، وتنهار المفاوضات، ليمضي عبدون إلى مشاغله متشاغلاً ريثما يفتر الضكير أو يقول أعداؤه (الروووب).. وفي كلّ شر..
حياة عبدون تراوحت ما بين اجتهاده في اكتساب الأصدقاء ومنع أخيه من صناعة الأعداء بلا داعٍ ولا ضرورة.
احتار في طريقة الناس في الفصل ما بين سلطة الكلمات في الفصل ما بين المعاني..
حينما يقولون:
(صناعة الأعداء)..
ثم يقولون:
(اكتساب الأصدقاء)..
والضكير لا يفرغ من أزمة إلا ليخوض في أخرى.. (أخلاقو في نخرتو).. برغم كل الكدمات والجروح القطعية التي خلّفتها المشاكل على جسده، إلا أن ظنه المقيم أنه بذلك يحمي نفسه من (الحقارة) والتغوّل والأذى.
وعلى حد تعبيره (لا يحب الكلام الكثير)، لكنه يستطيع أن يمنحك أياه .. فيملأ به صدرك ليجعلك تختج وتفور… حاثاً منتظراً أن يخرج منك أي تعبير لكل هذا الضيق والتبرّم الذي أورثك إيّاه..
كنت محمياً منه بفضل صداقتي وأخوه عابدون، الأمر الذي أتاح لي فرصة مراقبته عن كثب دون أي سانحة للمعالجة أو النصح/ فتلك مجازفة عجز عن ارتكابها عبدون نفسه وأمه وأبوه…
الضكير (يحمّر) للجميع في (الضلمة والضو).. وإن أصر على المشكلة فلا حيلة للمشكلة إلا الحدوث.. يمتاز بذاكرة مشاكلية لا تًجارى، فلو أنك سألته:
(لعل ما في عوجة)..
لأجابك بذلك النفس “الهادر والمنجعص”:
(العوجة بايتة ومقيلة ف البكان دا),
فلا يبقى أمامك إلا لوم (لسانك) وعتاب أصحابك:
(أنت الوداك تسألو شنو؟!).
يحفظ عن ظهر قلب كل ألفاظ وحركات الإغاظة حتى (رندوك) الأجيال (السستمية).. ولذلك لم يكن يميل إلا للتجمعات ذات الوقت القصير، والتي تنفض وتنفض معها العداوات والصداقات..
يقول عبدون (تعلمت من الضكير الكثير، فكل ما ينتجه كان مصدراً للإلهام.. فكنت أرى المقابل المكافئ لتصرفاته فألزم.. فبينما لا يفرق الضكير مستعدياً الجميع و(معفصاً)، كنت أختار.. وأحاول التمثّل بقوله تعالى”فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم”.. مشاكل الضكير المُتكاثرة وتدخّلي الدائم لحلها منحاني القدرة على رؤية ما يمكن تجنّبه من توافه.. تلك الخبرة والدّربة التي تمنحك قروناً للاستشعار، وأن تنصر بالرعب دون أن تطلق راجمة واحدة).. انتهى.
عبدون يؤمن أنه لا مناص في الحياة من أن يكون لك أعداء، ولكن من الضروري والمهم أن يكون لك حق اختيار أعدائك وفقاً للقيم التي تلتزم بها والمبادئ..
(إن الشيطان لكم عدوٌ فاتخذوه عدوّاّ)
وله في تلك المقامات أدب رفيع ومعرفة واسعة لو استنزلها لنفع الناس وأفاض إلا الضكير..
والضكير هذا لا حيلة له ولا سعي لإحراز أي تقدم ملموس تطويراً لذاته أو من حوله.. يؤمن أن ليس بالإمكان أفضل مما كان، صدف أن التقيته في اجتماع للحي حول مائدة رمضان السنوية والتي قررنا أن تكون في تلك السنة متميزة.. صبر علينا الضكير وتركنا نتداول الاقتراحات والتجديف حتى أتته الفرصة فردعنا:
(المائدة بتاعت السنة الفاتت مالها.. عيّبوها لي؟!)..وتابع دون أن يمنحنا الفرصة للجواب (هووووي يا ناس … جِنّاً تعرفوا… بس زي السنة الفاتت نعمل السنة دي.. بلا حركات معاكم).. وأسقط في أيدينا .. وتأدبنا ولم نكررها.
الأسبوع الفائت التقيت (عبدون) وسألته عن الضكير وقصصه التي لا تنتهي فأجاب بنصف ابتسامة ونصف رضا:
(لا لا ما خلاص.. المسألة دي حسمناها وقنّناها.. الضكير انضم لي لجان المقاومة)!!