تسود حالةٌ من الاستقطاب الحاد وسط المجتمع، ولم يرعوِ السُّلطويون الجُدُد وأتباعهم، واليساريون وأذنابهم من الدعوات المُتكرّرة التي ظلّت تُنادي بضرورة التزام التعقُّل وحسن إدارة الشأن العام وعدم الإفراط من خمر السلطة المُسكر الخمير، والابتعاد عن إشاعة أجواء الانتقام والتشفّي والفساد في نُسختِه الجديدة، وتشجيع الانفلات والتردّي الأخلاقي.
ويبدو أن جماعة الحرية والتغيير تحت ذرائع مُتعدّدة تستفيد من حالة الفوضى العارِمة وتتوهّم أنها بالمجموعات المُتفلِّتة وبعض الطائشين في الأحياء تستطيع تنفيذ ما تُريده ضد مُخالفيها في الرأي السياسي، فهي تُريد هذه الحالة الراهنة لذاتها، وتعمل لإشغال الناس بها حتى تتفرّغ الحكومة ووزراء الزمن الغافِل لتمرير كل أجندتهم وسياساتهم التي تكشط كل قِيم الدين من الحياة العامة، وتنشرُ علمانيتهم النتنة، وتُقصي لهم من يتبنّى موقفاً لا يتفق معهم .. لذا هم الأحرص الآن على نشوء مجموعات ما يُسمّى بلجان المقاومة بالأحياء والأجسام غير الشرعية، وهم الأكثر دأباً في صناعة الضجيج الإعلامي والدعائي الحالي والتصريحات الصادمة، حتى يتهيأ لحكومتهم الجو لتبيض وتفرخ وتصفر ..!
مُقابل ذلك، وما لا يعلمه أهل تحالُف الحرية والتغيير، أن المجتمع وقواه الحية وشرائحه المُتنوّعة ليس لاهياً ولا غافلاً، بدأت وسطه الآن الدعوات لكبح جماح نَبْتِهم الشيطاني الذي ألصقوا فيه كلمة المقاومة وغير معلوم مقاومة مَن..؟! فالمجتمع مُمتلئ حتى أذنيه بالشباب والقادرين على حسم هذا النوع من التفلّت، وما صبر الناس على الأذى وتأخروا في إماطته من طرقاتهم وأحيائهم إلا انتظاراً للسلطات الحكومية أن تتدخّل وتقوم بواجباتها ومسؤولياتها تجاه السلامة العامة وأمن المواطن، ولمّا رأى الناسُ أن هناك تباطؤاً وتقاعسُاً ظهر ما نخشاه من ردّات أفعال بعد أن ضاق المواطن ذِرعاً بتصرُّفات هذه اللجان المُدَّعاة، سيكون لها أثر بالغ في تغيير الواقع الاجتماعي، وربما تنزلق الأوضاع برُمّتها إلى ما لا يُحمد عُقباه، وسيتحمّل من دعا إلى قيام لجان المقاومة في الأحياء المسؤولية الكاملة إذا وقعت الفِتنة، وستكونُ فتنةً عامةً لا تستثني حيّاً ولا مدينة ولا صَقْعاً ظهر فيه هذا النبت غير الشرعي الغريب ..
هناك نذُر صدام قريب بين عامة المواطنين وما يُسمّى بلجان المقاومة في الأحياء، سيعمل المواطن على حماية عِرضه وممتلكاته وأمنه وسلامة أسرته وهناء عيشه، سيخرج الأبناء في أحيائهم لحماية أهاليهم، ومن أجل السلامة العامة والوئام الأهلي والاجتماعي والروابط والأواصر التي ظلّت تربُط الأُسَر وتحمي الأخلاق العامة، فإذا سكتت الحكومة عن جسم غير شرعي لا يسنده قانون أو وازع من قيم وأخلاق، فإن الحكومة لن تستطيع أن تفعل شيئاً إذا قام جسمٌ آخر يُدافع عن الأعراض والأموال والأنفس، فإخوان البنات ومقنعو الكاشفات صبروا كثيراً على التجاوُزات والتصرّفات الصبيانية، ويئسوا من تواطؤ حكومة “قحت” مع لجانها التي تجد تشجيعاً من الحزب الشيوعي ومم شَايَعُه، فمن زرع الفتنة سيتحمّل وزرها لا محالة ..
إذا كانت الدعوات التي خادَع بها اليسار وكل قوى الحرية والتغيير أنهم ينشدون دولة القانون والمؤسسات، فلمّا دالَ لهم الأمر، فَجَروا في خصومتهم، وتناسوا القانون وسلطاته وأطلقوا أيادي وكيانات غير شرعية خارجة عن القانون، فهل سيتحمّل قادُتهم ــ ونعني هنا قيادات الحرية والتغيير وخاصة قيادات الحزب الشيوعي ــ تبعات ما قامت وتقوم به ما يُسمّى بلجان المقاومة بالأحياء..؟
لقد أفسد هؤلاء الحياة السياسية بدعوات وخطاب الكراهية وشيْطنة الآخر والانتقام، وها هُم يُفسدِون الحياة الاجتماعية الوادِعة للسودانيين بما تقوم به لجانهم المخالِفة للقانون بالأحياء، كل من سعى إلى هذه الفتن سيحترق هو أولاً بنارها وسيَصلَى سعيرَها، لأن النتيجة الحتمية التي لا مفر منها لخَّصتها الآيةُ الكريمة “وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ”..