موقع أمريكي: تأخير رفع السودان عن قائمة الإرهاب إجهاض للديمقراطية
ترجمة: إنصاف العوض
اشترط موقع “بلومبيرج” الأمريكى استمرار الحكومة الديمقراطية في السودان بإزالة اسمه عن قائمة الدول الراعية ، وقال الموقع إن على إدارة الرئيس الأمريكي دولاند ترامب رفع اسم السودان عن قائمة الإرهاب فورًا دون تأجيل كونه يمثل الحبل السري لاستمرار نجاح التجربة الديمقراطية، لأن القرار يقيد تماماً وصول البلاد للمساعدات الدولية والاستثمار الأجنبي، والتحويلات المالية، وهو أمر بالغ الأهمية لبقاء الحكومة الجديدة التي يقودها المدنيون والآمال في انتقال ديمقراطي سلس في الخرطوم، وأكد الموقع عدم جدوى رفع العقوبات المالية التي قامت بها واشنطن جزئياً في العام 2017م كونها غير مقنعة للمانحين، وقال: لا يمكن أن يكون الشطب جزئياً، لأن المانحين والمستثمرين يحتاجون إشارة واضحة مفادها أنه لابد من دعم الحكومة الجديدة بالرغم من أهمية مراقبة إدارة ترامب للجنرالات للتأكد من عدم تغير رأيهم بشان العملية الديمقراطية، مضيفاً أن التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة هو أن توضح للقياديين في السودان أن أي ضرر سيواجه بعقوبات سريعة، على الضباط والأفراد من العسكريين والمدنيين، وأي شخص يتعامل معهم مشدداً على أن مثل هذه الإجراءات من شأنها استفادة اقتصاد السودان من قطاع خاص أكثر حيوية ونظام سياسي أكثر نشاطاً واستقراراً.
حجج دامغة
وقال الموقع إن السودان شهد تغييرًا جذرياً في سياسته منذ تصنيفه دولة راعية للإرهاب منذ العام 1993م، وجعلت وزيرة خارجيته الجديدة، أسماء عبد الله، أولويتها القصوى لإبعاد بلدها من القائمة. كما حصلت الحكومة الجديدة على دعم من مصر، وهي علامة مرحب بها على تحسن العلاقات بين الجارتين اللتين تتنازعان منذ زمن طويل. وترحب دول الخليج العربي وبخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بالخطوة كون لديها رغبة فى الاستثمار بالسودان دون قيود.
وأضاف أن أقوى حجة لإلغاء الإدراج تأتي من رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ، الاقتصادي السابق في الأمم المتحدة. والذي وعد بشفاء الاقتصاد، وهو برنامج يعتقد أنه سيحتاج إلى 8 مليارات دولار من المساعدات الخارجية في العامين المقبلين وملياري دولار أخرى أودعت كاحتياطيات لتعزيز الجنيه السوداني المتراجع، كما أن الوفاء بوعده هو أفضل دفاع لحمدوك أمام القيادة العسكرية السودانية، التي وافقت على حكومة انتقالية فقط تحت الضغط الدولي خاصة وأن الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس الاسبق عمر البشير في أبريل قد أطلقت بسبب عدم الرضا عن الاقتصاد بقدر ما كانت بسبب الجوع للحريات السياسية.
محاذير أمريكية
والولايات المتحدة ليست معادية لإلغاء إدراج السودان في القائمة: في الواقع ، بدأ أوباما العملية في نهاية فترة رئاسته. وقبل أن تتسبب الانتفاضة في التردد، كانت إدارة ترامب قد بدأت مناقشة رفع الأسماء من القائمة كجزء من اتفاقية مكافحة الإرهاب مع الخرطوم.
وأرجع الموقع تأني واشنطن في رفع اسم السودان عن قائمة الإرهاب إلى المحاذير والمخاوف التي صاحبت القرار المشابه ضد كل من كوريا الشمالية وكوبا، وقال ينبغي على البيت الأبيض أن يدرك الأخطاء التي ارتكبتها إدارتا باراك أوباما وجورج دبليو بوش، اللتان كانتا حريصتين للغاية – وموثوقة للغاية – في إلغاء إدراج كوبا وكوريا الشمالية من قائمة العقوبات كما ينبغى أن يتعلم الدرس من التجربة الأمريكية مع ميانمار، حيث تمت إزالة العقوبات الاقتصادية في وقت مبكر للغاية.
مخاطر اقتصادية
وكشف الموقع عن ضغوط دولية متجددة يتعرض لها وزير الخارجية الامريكى مايك بومبيو لإبعاد السودان من قائمته للدول الراعية للإرهاب مع انتقال البلاد إلى القيادة المدنية، وقالت الصحيفة إن الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتيريش وفرنسا ومصر وقطر وقوى دولية أخرى تضغط على بومبيو من أجل رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب تمهيداً لعقد مؤتمر للدائنين في فرنسا لرفع العزلة عن الاقتصاد السوداني، وأن واشنطن تعللت باستمرار عدم الاستقرار على الرغم من التحول الديمقراطي، مشيرة إلى أن السودان أمر في 26 سبتمبر بإغلاق حدود البلاد مع ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى بسبب تهديدات أمنية غير محددة و”أخطار اقتصادية” فضلاً عن عدم استعدادهم للتطبيع مع إسرائيل في الوقت الراهن.
وتمت إضافة السودان إلى القائمة في عام 1993 بعد أن قام الدكتاتور آنذاك عمر البشير بإيواء منظمات إرهابية معادية للولايات المتحدة، بما في ذلك تنظيم القاعدة. اكتسبت الآمال بالرفع زخماً بعد إسقاط حكومة البشير في أبريل وسط احتجاجات حاشدة؛ أعقبت إزاحته فترة حكم المجلس العسكري الذي أفسح المجال في النهاية للتوصل إلى اتفاق في أغسطس للانتقال إلى الحكومة التي يقودها المدنيون.
دعم دولي
وأكد د. عبد الله حمدوك مشاركة بلاده في الجهود الرامية إلى الشطب من القائمة كون بقاء اسم بلاده تحتها يمنعه من الحصول على المساعدات المالية الأجنبية وإعادة التفاوض بشأن الديون.
وقد دعم الأمين العام للأمم المتحدة وعدة دول، بما فيها فرنسا ومصر وقطر السودان في حملته لشطب اسمه، وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن باريس ستستضيف مؤتمرًا مع الدائنين الدوليين للسودان بمجرد أن ترفع الولايات المتحدة الراعي الرسمي لتسمية الإرهاب. وتشكل إيران وسوريا وكوريا الشمالية بقية الدول الموجودة على قائمة للولايات المتحدة لرعاية الإرهاب.
قال ديفيد هيل، وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية، في أغسطس إنه يتعين على الولايات المتحدة حل القضايا الطويلة الأمد مع السودان، بما في ذلك حقوق الإنسان والحرية الدينية وقضايا مكافحة الإرهاب، قبل إزالة البلاد من القائمة،
كان لدى وزارة الخزانة الأمريكية برنامج للعقوبات على السودان، لكن تم إلغاء جزء كبير منه بموجب الأمر التنفيذي الصادر في يناير 2017 والذي تم تعديله في يوليو 2017 ودخل حيز التنفيذ في 12 أكتوبر 2017. تم إلغاء لوائح العقوبات السودانية رسميًا في يونيو 2018. لا تزال العقوبات قائمة على الشركات العسكرية السودانية والمسؤولين المشاركين في انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور.
انعتاق دولي
ويرى الموقع أن القرار ضروري لبث حياة جديدة في اقتصاد البلاد المحتضر، إذ أنه وعلى مدى عقود كانت الولايات المتحدة الأمريكية تنظر إلى السودان كطفل مدلل للاعبين دوليين مغضوب عليهم ويمثلون عدوا مشتركاً للديمقراطيين والجمهوريين مما دفعهم للاتفاق على معاقبتهم وعزلهم لسبب وجيه.
إذ لا ينبغي أن ننسى ملايين المدنيين الأبرياء الذين قتلوا في ظل نظام البشير الإسلامي الوحشي. والتجاهل المتعمد لحقوق الإنسان الأساسية، وإيواء أسامة بن لادن قبل هجمات 11 سبتمبر، وتجاهل نداءات المجتمع الدولي للعدالة والمساءلة، وسنوات من التحالفات مع دول إرهابية من إيران إلى كوريا الشمالية، قد أكسبت البلاد زخماً كبيراً من الإقصاء والاحتقار.
ولكن مع دخول جيل جديد من السودانيين الشباب الذين يمثلون 60% في المائة من سكان السودان البالغ عددهم 42 مليون نسمة تقل أعمارهم عن 24 سنة. فقد حان الوقت للتغيير خاصة وأن هذا الجيل ليست لديه فكرة عن السودان عندما لم يكن دولة منبوذة، وهي ذات هذه المجموعة التي قادت خلال الأشهر العشرة الماضية ثورة في البلاد وخرجت إلى الشوارع للمطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والوظائف وفرصة للسودان لينعتق من قيود العزلة الدولية.
ومن أجل مواجهة لحظة الفرصة التاريخية هذه، يجب على الولايات المتحدة أن تتعلم كيف ترى الماضي. تحقيقاً لهذه الغاية ولذات السبب قال حمدوك نريد أن نقول للعالم إننا نتحرك بعيدًا عن العقوبات وقضايا العقوبة، وكل ذلك من أجل عودة طبيعية للسودان إلى حظيرة الأمم االدولية.
منارة أمل
ووصف الموقع الثورة السودانية بالمذهلة، وقال ان هذه تطورات مذهلة لكل من يعرف السودان. على مدار أكثر من عقدين، استثمر المسؤولون الأمريكيون، الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء ، آلاف الساعات من تحليل السياسات والمشاركة الدبلوماسية، إلى جانب مليارات الدولارات في المساعدات، على أمل أن يخرج السودان من ديكتاتورية الإبادة الجماعية. أخيرًا، اكتسبت الديمقراطية موطئ قدم.
إن القول بأن الوضع الحالي هش لا يخلو من المصداقية خاصة مع تاريخ الفشل للحكومات الديمقراطية الثلاث التي شهدها السودان، ولكن يجب ألا يقود هذا الواقع المجتمع الدولي إلى التحوط، في انتظار الاستثمار بالكامل في دعم جهود الحكومة الجديدة حتى يبدو التحول الديمقراطي الكامل بمثابة رهان أكيد. لقد حان الوقت لسحب كل المحطات القديمة دعماً للتطلعات الديمقراطية للشعب السوداني.
وكان حمدوك وحكومته واضحين بشأن رغبتهم في أن يتخلى السودان عن وضعه المنبوذ. وقد طلبوا على وجه التحديد أن تحذف الولايات المتحدة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. إن القيام بذلك سيسمح برفع العقوبات على نطاق واسع. بالنسبة لحكومة حمدوك الوليدة ، المسؤولة الآن عن الاقتصاد الذي يعاني السقوط الحر بعد عقود من الفساد، كونه يمثل شريان الحياة. فضلاً عن أن هذه هي اللحظة المناسبة للولايات المتحدة لقيادة الطريق وفي زمن الاستبداد المتنامي في جميع أنحاء العالم، تعد حركة الاحتجاج غير العادية في السودان بمثابة منارة الأمل.