لقد تركنا أمر داعش والإرهاب ومصير المنطقة بعد مقتل زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، وتناولنا موضوع الترحّم عليه كميّت بحيث صارت العلاقة بالبغدادي والداعشية تتوقف على الترحم عليه من عدمه، فقد أعلن الرئيس الأمريكي ترامب رسمياً مقتل أبو بكر البغدادي أو إبراهيم السمرائي قائد ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في غارة قامت قوات أمريكية خاصة بتنفيذها في شمال غرب سوريا ليلة السبت 27 أكتوبر تشرين 2019م، وسميت العملية التي أدت لمقتل البغدادي وعدد من أطفاله الصغار باسم رهينة كانت لدى تنظيم داعش اسمها (كابلا مولر)، وهذا يذكر بالاسم الحركي الذي أطلقته القوات الأمريكية على عملية جيرانمو لقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن في 2 مايو من العام 2011م وللمفارقة، فإن جرانمو هو أحد زعماء قبيلة الأباتشي وهي أشهر قبائل الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليون) وقد واجه الهنود الحمر أسوأ أنواع الإبادة على يد المستوطنين وهم آباء واجداد الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، الذي يعمل على إعادة الجنس الأبيض وإبعاد من يعتقد أنهم غرباء على الولايات المتحدة الأمريكية من الأفارقة وغيرهم، علمًا بأن الدستور الأمريكي قد منع الفوارق بين الأمريكيين على أساس اللون أو العرق من قبل مئات السنين، بل إن ترامب حظر جنسيات معلومة ومن السودانيين من دخول بلاده.
وليت مقتل البغدادي قد وضع حداً للحرب على الإرهاب كما يتصور بعض الذين يعتقدون أن البغدادي يستحق ما حدث له حتى لو تم الأمر من غير محاكمة، وانتهكت فيه كافة حقوق الإنسان في أبشع صورها، وقد نسمع هذا القول من قبل منظمات حقوق الإنسان ويقظى الضمير من المحامين والحقوقيين الذين قالوا هذا الكلام مراراً وتكراراً للولايات المتحدة الأمريكية في مواقف عدة، ولكنها لم تأبه له، فقد قام أحد المحامين المصريين بجمع توقيعات لسحب الثقة من السفير الأمريكي في القاهرة، وعقد محاكمة للرئيس الأمريكي أوباما إثر مقتل الشيخ أسامة بن لادن، وقالت المنظمات الحقوقية: إن الولايات المتحدة الأمريكية قد انتهكت الحقوق القانونية للمتهمين خلال قيامها بقتل أسامة بن لادن، وهو أعزل دون محاولة اعتقاله على نحو سلمي وتقديمه لمحاكمة عادلة على التهم الموجهة ضده، واتهم الحقوقيون الولايات المتحدة بارتكاب جريمة السطو عندما هاجمت طائراتها وجنودها المنزل الذي كان يقيم فيه بن لادن وعائلته واتهموها بتدنيس جثة قتيل، وانتهاك المجال الجوي للدول، وقد عبرت دولة باكستان يومها عن غضبها على لسان رئيس وزراء باكستان برويز مشرف الذي وصف العملية بأنها تمت من طرف واحد. وما أشبه الليلة بالبارحة، فالولايات المتحدة الأمريكية تقوم من جديد بانتهاك الحدود الدولية لدولة ذات سيادة وهي سوريا، وتنفذ عملية اغتيال البغدادي داخل أراضيها وتستخدم عملاء داخل سوريا للبحث عن البغدادي، ويعلن ترامب شكره لروسيا التي قال إنها فتحت مجالها الجوي لتنفيذ عملية اغتيال البغدادي. وقد يظن البعض أن بموت البغدادي وتصفية تنظيم داعش واعتقال مقاتليه في سجون العراق وتركيا وضرب التنظيم في ليبيا واليمن وسوريا والعراق أن الحرب على الإرهاب قد وضعت أوزارها ولكننا قريباً سوف نسمع عن تنظيم إرهابي جديد وبغدادي جديد يخرجان من جعبة المخابرات الأمريكية والعالمية ويسرحان ويمرحان في منطقة الشرق الأوسط تحت علم المخابرات الأمريكية وبصرها وهذا تؤكده تصريحات القادة الغربيين التي جاءت تعليقاً على مقتل أبو بكر البغدادي وأشهرها تصريح جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي السابق والمنافس على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات 2020م الذي قال معلقاً على مقتل البغدادي: لا نحتمل أن نحول انتباهنا أو أعيننا بعيدًا عن هذا الهدف. تنظيم الدولة الإسلامية ما زال يمثل تهديداً للشعب الأمريكي ولحلفائنا، وعلينا مواصلة الضغط على التنظيم من إعادته لتجميع صفوفه أو تهديد الولايات المتحدة مجدداً.
وإذا نظرنا لرد الفعل لدى الشعوب العربية والإسلامية نجد الجدل يدور حول الترحم على أبو بكر البغدادي من عدمه، بل إن نشطاء وسائط التواصل الاجتماعي وبعض الصحفيين قالوا إن من يترحم على البغدادي هو داعشي مثله، وقد بحثت عن حكم الترحم على من يرتكب الكبائر فقد أوضح بن باز عليه رحمة الله أن مرتكب الكبائر إن كان مسلماً معروفاً وأنه كان موحداً ومسلماً يؤمن بالله واليوم الآخر وبُلِيَ بالمعاصي، ومنها قتل النفس أو النفوس كحالة البغدادي (هذه من عندي) فلا مانع من الدعاء له بالمغفرة والرحمة لأن المعاصي لا تخرجه من الإسلام، لكن يكون ضعيف الإيمان. أما إذا كان معروفاً بشيء آخر يدل على كفره مثل سب الدين ومثل إنكار وجوب الصلاة أو إنكار وجوب الزكاة أو الاستهزاء بالدين، هذا كافر ما يدعى له ولا يترحم عليه. أما إذا كان معروفاً بمحبة الإسلام وأنه مسلم يصلي وموحد ولا يشرك بالله شيئاً ولكن بُلي بهذه المعاصي أو القاذورات فهذا يُدعى له وأمره إلى الله.