مهما كانت النتائج التي خرج بها الاجتماع المُشترك للمجلس السيادي ومجلس الوزراء ووفد من الحرية والتغيير أمس الأول، وما تمخّض عن الاجتماع من تكوين لجان وتنسيق مشترك، فإن الواقع يفرض على أهل الحكم وشركائه، إجراء مراجعات شاملة للفترة الماضية منذ تشكيل الحكومة حتى اللحظة، إذ تحتاج إلى تقييم حقيقي يقوم على تقديرات وتقويم سليم يستند على حقائق موضوعية، حول مدى نجاعة ما قدّمته الشراكة القائمة حتى الآن على مستويات مختلفة سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية، رغم العمر القصير للجهاز التنفيذي، وهنا لابد من الإقرار بأن الأداء التنفيذي العام ومؤشراته، لم تجد القبول بما يكفي من القاعدة العريضة للمواطنين بسبب أخطاء سياسية ارتكبها بعض الوزراء أثارت ردات فعل وحنقاً كبيراً في المجتمع، أو بسبب القرارات بالتعيينات والفصل والإبعاد في كثير من المواقع لم تقُم على مسوّغات ومُبرّرات سوى التصنيف السياسي، بينما بقيت القضايا الملحة للمواطنين بلا حل وتضاءلت تطلّعاتهم في الرخاء الاقتصادي، وباتوا يبحثون عن الكفاف فقط، وما يسد الرّمَق.
هناك حِزمة من الإجراءات والتدابير لابد من الاعتراف من قبل شركاء الحكم أنها تحتاج إلى إرادة سياسية قوية خاصة ما يتعلق بالجانب الاقتصادي والإصلاح الهيكلي والبنيوي لاقتصادنا المنحدِر إلى القاع منذ ما يقارب نصف القرن، والاقتصاد هو مربط الفرس وسط كل مشكلات البلاد، لا يمكن أن تحوز السلطة القائمة على الرضا الشعبي والتأييد السياسي دون أن تتقدّم خطوة إلى الأمام في معالجة الأوضاع المعيشية، ووضع الاقتصاد على مسار صحيح، فلا تزال الضائقة الاقتصادية تضغط على الناس وتضرب بأطنابها، ولا تلوحُ في الأفق رؤية ومعالجات موضوعية وعملية وعقلانية تُطمئِن إليها النفوس، فليس التدابير المقصودة هنا رفع الدعم السلعي أو العمل على زيادة المُرتّبات، إنما رؤية مُتكامِلة تُعيد بناء الاقتصاد على أسس سليمة وتُحّفز الإنتاج وتستقطِب الاستثمارات، وتعمل مع المجتمع الدولي على إعفاء الديْن الخارجي واستقطاب القروض والمنح، وقبلها إزالة تشوّهات الاقتصاد .
لو راجع المجلس السيادي ومجلس الوزراء حصيلة الفترة السابقة لوجد أن كل ما تمّ لا يزال بعيداً عن العلاج الكُلّي، وينبغي إعمال النظر وإدراك ما يُدرَك بسرعة قبل أن تتحول الظروف الضاغِطة إلى ما لا تُحمَد عقباه، وقد بدأ صبر المواطن ينفد، وتضيق حلقات العناء الاقتصادي، واستحكَمت قبضتها دون فكاك، فلابد من أمل يشُعّ بين الناس، وهو ما لا وجود له الآن في سياسات الحكومة التي برعت في شيء واحد فقط، هو قُدرتها على إصدار القرارات السهلة في الجوانب القِشْريّة المُتعلّقة بشاغلي الوظائف دون أن تدخل إلى اللباب.
من الضروري أيضاً أن تُراجِع السلطة منهجها في جمع اللحمة السودانية، فالحرية والتغيير مثلاً تعمل على تقسيم المجتمع، تزيد من حالة الشقاق وسطه، لخطل وخَبال منهجها في الخصام السياسي، فهي لن تستطيع محاربة مُخالفيها ولا إبعادهم من الحياة العامة، كما أن منهج محاربة قِيَم وعقيدة الأمّة سيُورِد الحكومة مورد الهلاك، فالرأي العام والمجتمع السوداني لن يتقبّل على الإطلاق هذه التصوّرات العلمانية الفجّة وضحالة الفِكر التي يعبر عنها وزراء الحكومة في تنفيذهم برنامج يُمثّل الوجه الكالِح للتجارب العلمانية البائسة التي طُبّقت في الوطن العربي، التي تقوم على محاداة الله ورسوله وإطلاق الغرائز ونشر المفاسد ومحاولة سحق القيم الدينية والتقليل من شأنها وتعلية باطل الأفكار على حساب صحيح الدين وثابته. والأمثولة الشاخِصة على ذلك ما أقدمت عليه الحكومة في سعيها للتوقيع على اتفاقية سيداو أو تغيير مناهج التعليم العام.
تتجاوز الفترة السابقة كل المتوقع من فشل على مستويين داخلي وخارجي، ففي الداخل ليست هناك سياسات حكومية ناجعة، في علاقاتنا مع الخارج، هناك إخفاق كبير في تحقيق نتائج إيجابية في ملفات عالقة مثل إعفاء الديون أو رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، أو حتى تحسّن ملحوظ فيه فوائد وعوائد تمسكها الأيدي في علاقتنا مع الأشقاء والأصدقاء، ويبدو أن دفة العلاقات الخارجية تمسكها أيدٍ تفتقر للخبرة الكافية والكفاءة الخبيرة.