*من نوادر جحا أنّه يوماً دخل الحمام وكان السكون فيه سائداً، فأنشد بصوته وعجبه ما أنشد فحدّثته نفسه بأنّه لا يجوز أن يبخل بنعمة صوته البديع على إخوانه المسلمين، خرج جحا من الحمام قاصداً الجامع حيث صعد إلى المئذنة وبدأ ينشد بعض التسابيح في ساعة آذان الظهر، فاستغرب الموجودون في المسجد من هذا الأمر، وكان صوته خشناً مُزعجاً، فناداه أحدهم قائلاً “ويحك يا أحمق! مالك تزعج الناس بهذا الإنشاد بصوتك المزعج وفي مثل هذه الساعة؟” فأجابه من أعلى المئذنة “يا أخي لو محسنٌ يتبرع لي ببناء حمام فوق هذه المئذنة لأسمعتك من حُسن صوتي ما ينسيك تغريد البلابل”.
*وزارة التربية والتعليم قصتها أقرب إلى قصة جحا هذه وهي تعلن مجانية التعليم لتلاميذ الأساس منذ العام المقبل، وهذه ربما هي المرة الألف وثلاثمائة التي تعلن فيه وزارة التربية هذا القرار دون أن يُنفّذ.
*طيلة حكم الإنقاذ ظَلّت وزارة التربية والتعليم تُعلن عن مجّانية التعليم، ووزارة الصحة تُعلن عن مجّانية العلاج، والكثير من أبناء الطبقة الكادحة لا يجدون تعليماً مَجّاناً ولا علاجاً كذلك.
* لم يعلم بعد وزير التربية والتعليم أنّ قَرار مجّانية التعليم في المدارس الحكومية عليه تبعات يجب على الوزارة أولاً تنفيذها وفي مُقدِّمتها تحسين بيئة المعلم والتعليم في المدارس المتهالكة.
*الكثير من المدارس الحكومية إن لم يكن جلها، تعتمد على الأموال القليلة التي تُحصّل من أولياء التلاميذ في نظافة المدرسة والكهرباء والمياه وغيرها من المصروفات التي تغض الوزارة الطرف عنها.
*في سابق الأزمان، كانت وزارة التربية والتعليم تُوفِّر حتى حبر الكتابة للتلاميذ، ناهيك عن المُنصرفات الأخرى في المدرسة، لذا كان التعليم مجّاناً ولا يطلب مديرو المدرسة من مجلس الآباء حَث أولياء الأمور على دفع أموال من أجل بيئةٍ مدرسيةٍ جيدةٍ.
*ما ينطبق على التعليم هو ذاته يسير في الصحة، حيث كان في سابق الأزمان العلاج مَجّاناً، وكذلك صرف الأدوية، أما اليوم فإن لم يكن معك مال وحظٌ وافرٌ، فمريضك لن يجد العلاج الناجع!
*إن أرادت وزارة التربية حقيقة تطبيق مجّانية التعليم، فعليها أولاً تحسين بيئة المدارس ووضع المعلم في موقعه الطبيعي من حيث راتبه ووضعه الاجتماعي، وبعدها فلتُعلن بعين قوية مجّانية التعليم.
*ولكن بهذا الوضع فإن قرار مجانية التعليم يشبه تماماً قصة جحا الذي “خدعه” صدى الحمام وأعتقد أنّ صوته جميلٌ، فأراد أن ينشد في الجامع، وكذلك وزارة التربية والتعليم فهي ترى مَجّانية التعليم في الدول من حولنا وأعجبت به وتعتقد أن بإمكانها تطبيق مجّانية التعليم وهي لا تملك مُقوِّمات هذا القرار الصائب.
*نرجو أن تلتفت هاتان الوزارتان المُهمّتان لتحسين أوضاع المدارس بالنسبة لوزارة التربية والتعليم، وتحسين بيئة المُستشفيات وتوفير الأدوية لوزارة الصحة حتى تستطيعا تحقيق شعار مَجّانية التعليم والعلاج في السودان كما كان ا