*أجد استمتاعاً واستحساناً للنقد الذاتي الذي يمارسه القيادي بالمؤتمر الوطني دكتور أمين حسن عمر، بين الفينة وأخراها عبر مقالاته أو عبر حواراته الصحفية ووضع تجربة حزبه على طاولة التشريح ووضع يديه على كثير من مواضع الخلل والألم دونما (مخدر)، وهي شجاعة تحسب للرجل في وقت جبن فيه كثير من الإسلاميين عن مقارعة خصومهم.
* أقول ذلك وأعلم تمامًا ومسبقاً مقدرات الرجل في المنافحة عن ما يؤمن ويعتقد، من مكاشفته في حوارات سابقة خصص دكتور أمين كثير مساحات للإصلاح السياسي والحزبي..
* مارس دكتور أمين خلال سنوات حكم الوطني ووجوده في السلطة نقداً ذاتياً ينبغي أن يكون أنموذجاً لكل السياسيين الذين يأبى أكثرهم الاعتراف بأخطائهم التي تراكمت وأوردتنا والسودان مورد الهلاك السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
* انتقد أمين حزبه كثيرًا ولا زال إن كانت هناك مصلحة في نقده، وإنه ينتقده في الأماكن (المناسبة) التي يمكن أن يترتب عليها عمل، وليس تلك الحالات الاستعراضية.
*ما لفت نظري خلال انتقادات أمين هو ثباته على موقفه الثابت خلال السنوات الأخيرة من إعادة ترشيح البشير لدورة رئاسية، وهو نصح راشد لم يستبنه البشير ولا حتى قادة الوطني إلا ضحى الحادي عشر من أبريل الماضي حين أذاع (ابن عوف) بيان الإطاحة بالبشيرواقتلاع نظام (الوطني) وإنهاء (حكمه).
* أمين في أكثر من حوار صحافي ألقى أكثر من حجر في مياه السؤال الساكنة حين قال: (المؤتمر الوطني عبر مؤسساته اختار البشير، وأنا صوّت بصوت مخالف داخل هذه المؤسسات، وبالرغم من هذا أنا معترف بأنه لو كان اختيار البشير بالفرض وبالقوة لغادرت هذا الحزب، أنا في حزب يحترم مؤسساته).
*لاحظت من إفادات دكتور أمين حول هذا الملف أن الرجل يتمسك بمواقف سابقة له وهي امتداد لتأكيداته السابقة حول حدوث استقطابات داخل (الوطني) حينها عندما تم طرح أمر التجديد لرئاسة البشير، وفي أحد حواراته يقول دكتور أمين: (هذا طبيعي في السياسة، السياسة ليست كلها بالإقناع، السياسة بالاستمالات المختلفة.. العاطفية والمصلحية، هذه طبيعة السياسة، لا تعتقدوا بأن السياسة مجرد مثالات فكرية، إذا هذا كان يسعدكم فأسعدوا به).
*ويذكر أمين الحقيقة التي يتحاشاها ويهرب من مواجهتها الكثير من قادة الإسلاميين وهي ضرورة التداول السلمي للسلطة بقوله ذات مرة: (واقع الحال أن المؤتمر الوطني لن يخلد، حتى ولو أمسكنا بأستار الكعبة، أما أن يتمنى غير هذا فلا يمكن).
* ومما هو معروف فإن دكتور أمين وبالرغم من ردوده التي قد تصنف عند بعض السياسيين بـ(الجلافة) وعدم النضج السياسي إلا أنها تؤسس لمدرسة سياسية جديدة عنوانها (سياسي يخرج كل ما في كنانته) ولا يخشى لومة لائم.
*مواقف دكتور أمين الصريحة هذه (تشق) على كثيرين ممن ارتادوا السياسة من باب المداهنة والنفاق لذا فالرجل غير مرغوب لدى هؤلاء…
* ولأن أهل السياسة جبلوا على الكذب والنفاق وقولهم ما لا يفعلون لذا كانوا ولا زالوا يرون في أقوال دكتور أمين شيئاً منكوراً، ولن يعدوه منهم وقطعاً هو ليس كذلك، فالرجل هو أقرب إلى الفكر من السياسة التي اختطفته وتمادت في اختطافه، وليت الرجل يخرج من ضيق السياسة إلى رحاب الفكر الذي افتقده مذ (الصراع بين الإسلام والعلمانية في الشرق الأوسط).