أهل الخرطوم
*ثماني عشرة ولاية هي قوام السودان بحُدُوده المُترامية الأطراف، وإذا نَظَرت إلى أيّة ولاية من هذه الولايات لوجدتها أكبر مِن دُول عديدة تتربّع على القمة اقتصادياً.
*جميع ولايات السودان تتشابه في تَعدُّد مواردها وتنوُّعها الثقافي، وإذا بَحَثتَ عن الزراعة لوجدتها حَاضِرَةً، وكذلك الثروة الحيوانية والمعادن وكل خيرات الاقتصاد مُتوفِّرة في ولايات السودان الثماني عشرة هذه.
*حينما قرّرت حُكومة الإنقاذ العودة لحكم كل ولاية من أبنائها، حُظيت سبع عشرة ولاية بهذا التكليف عدا ولاية الخرطوم.
*وعندما يتم تقسيم موارد السودان من المالية الاتحادية، جل الولايات تجد حظّها عدا الخرطوم.
*والعاصمة المثلثة وهو الاسم الذي عُرفت به الخرطوم منذ عُهُودٍ بعيدةٍ مظلومة بعين لا تَرى هذا الظلم، وأول الظلم الذي يقع عليها أنّ من حكموا الخرطوم جميعاً لم يكونوا من أبنائها، الذين عاش بعضهم في أريافهم وغيرهم في قلبها.
*مثل ما لولايات السودان أهلٌ، هم كانوا أحق بحكم ولاياتهم، كذلك للخرطوم أهلٌ وعشائر هم أحق بأن يحكموا أرضهم وولايتهم، وإن كانوا في السابق زاهدين في هذا الحكم.
*قبل أن تتمدّد “العاصمة المثلثة” لتستوعب في جوفها قرابة التسعة ملايين نسمة، كان يقطنها أقل من ثلاثة ملايين عندما بدأت الإنقاذ في حكم السودان، وكانت هي مثل السودان بخيرها وخدماتها وتنميتها، وكان لها ومازال مشروع الجموعية الزراعية الذي يكفي أهلها وما يجاورونهم بالطيبات، وكان بها مشروع السليت، وخُضرة الجزيرة السروارب، والجزيرة إسلانج.
*اليوم الخرطوم تبحث عن الخدمات، وعن التنمية، وعن الاهتمام بمشروعاتها الجميلة، تبحث عن ما يُخطّط لها بالطريقة الصّحيحة وهو يحفظ مَحاكيرها وطباع أهلها “الأصليين”، وحتى تجد الخرطوم ما تبحث عنه، لا بُدّ أن يحكمها أحد أبنائها وهُم كُثرٌ من المُؤهِّلين والقَادرين على إدارة شؤون دولة بأكملها وليس ولاية كان حظّها أن تكون عَاصمةً للسودان.
*الأسبوع الماضي قرأت إعلاناً بهذه الصحيفة يتحدّث مضمونه عن حُقُوق أهل الخرطوم في حكمها، وأمس وصلتني دعوة من ممثلين للجنة التمهيدية لهذا المطلب وهم يُرتِّبون لعقد مؤتمر صحفي غداً “الأربعاء” سيتناول جميع الحقوق التي يُطالب بها أهل الخرطوم لولايتهم.
*ثورة ديسمبر جاءت من أجل ردّ الحُقُوق للمظلومين من أهل السودان وأكثرهم – طبعاً – في الخرطوم التي لم يحكمها أحد أبنائها طيلة السنوات الماضية.
*أهل الخرطوم الآن يطلبون من الحكومة الانتقالية والمجلس السيادي، وهما يرتِّبان لإعلان الولاة المدنيين، أن يردوا للخرطوم حَقّها بأن يحكمها أحد أبنائها حتى يكون بصيراً على تنميتها وتطوُّرها ومُحاربة التطفُّل فيها والجشع السياسي!
*غداً سنسمع من أهل هذه الولاية “الأصليين” ما يجيش في خاطرهم وهُم الأكثر دفاعاً عن ولايتهم، ويُنافحون عن حقوقهم الموروثة ويُدافعون عنها.