ما بعد “داعِش” و”البغدادي”
كتبنا قبل سنوات على صفحات صحيفة (الانتباهة) في نهايات العام ٢٠١٤م عند هزيعه الأخير، أن ترتيبات تجري على قدم وساق في الأوساط الاستخبارية الغربية لإنتاج وحش جديد بديل عن داعش الذي حقّق الغرض منه، واستنفد المطلوب تحقيقه، وكانت في ذلك الوقت قد انزاحت وانتشرت المعلومات التي تبرّعت بها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ومرشّحة الرئاسة فيما بعد ضد ترامب وعقيلة الرئيس الأمريكي الأسبق السيدة هيلاري كلنتون، التي أشارت فيها إلى أن التنظيم المتطرّف الذي ظهر فجأة هو صناعة أمريكية، ونُقِل عن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ما يؤكد نفس المعلومات، خاصة أن أوباما كان مُنتشِياً بقيام فرقة أمريكية من القوات الخاصة لمشاة البحرية الأمريكية باغتيال أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في بلدة باكستانية قُرب الحدود مع أفغانستان، وقد مَهّد هذا الاغتيال لفوز أوباما بولايته الثانية في البيت الأبيض .
ما أشرنا إليه عام ٢٠١٤، هو تواتُر معلومات لدى أجهزة مخابرات غربية وعربية عن عكوف المخابرات الأمريكية وربما التمويل الإسرائيلي على صناعة تنظيم آخر بديل لداعش مع اشتداد الحرب والمواجهات في سوريا، وكُنّا نعني بالتنظيم الجديد مجموعة أكثر تطرّفاً وتوحّشاً من داعِش كانت تنضج على نار هادئة في المناطق الشمالية الغربية من سوريا، وتوجد خلايا أخرى للتنظيم الجديد في العراق، وفي جبال أفغانستان، وقلنا إن التنظيم المُسمّى (خراسان) سيكون هو الوريث لداعِش الذي سيتم التخلّص من قادته وطي صفحاته .
بالصّدفة المحضة نقَل إليَّ قبل أسبوعين فقط! صديق عربي، وهو نقيب صحفيين سابق في بلاده وتولى رئاسة تحرير واحدة من أكبر الصحف في وطنه، أن تنظيماً شديد التطرُّف ظهر في العراق باسم (خراسان) في الأيام الأولى من النصف الثاني لهذا العام ٢٠١٩، وأن عمليات إرهابية تم تنفيذها باسم هذا التنظيم، وأنه أكثر تعقيداً في بنيته التنظيمية وأشد تطرّفاً ودموية من داعِش الذي كان أبشع في سلوكه من القاعدة ..
فظهور هذا التنظيم وإشهاره لعملياته وإعلانه عن نفسه، يعني عملياً نهاية مرحلة داعش وبداية مرحلة جديدة لهذه التنظيمات المصنوعة خصيصاً لأدوار تخدم حتى مصالح الغرب والصهيونية العالمية بدليل عدم تنفيذها أية عمليات ضد مصالح هاتين الجهتين .
يُفهم من العملية التي نفذتها قوات أمريكية فجر أمس ضد زعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادي، أن الجهة التي صنعت هذا التنظيم هي التي تكتب شهادة وفاته، وتبدأ مع وليدها الجديد دورة أخرى من دورات الدم والأشلاء في منطقتنا العربية والإسلامية، وبما أنه لم تتوفر معلومات وافية عن تنظيم “خراسان”، إلا أن الأيام المقبلة كفيلة بوضعه على واجهة الأحداث وعلى منصة الرأي العام بصيغة تختلف عن الصورة التي تمت بها صناعة داعش وعُرفت من خلالها، فجميع القوى الدولية واللاعبين الكبار على صلة بالتطورات الجارية في المنطقة، خاصة أن البيئة التي صُنعت في العراق وسوريا هي البيئة الملائمة لتفريخ ونمو هذه التنظيمات .
وواضح أيضاً أن الإدارة الأمريكية كانت على علم كافٍ بمكان تواجد البغدادي، ونطاق تحرّكاته، وهي التي حدّدت كيفية التخلّص منه، وهناك شكوك كبيرة حول ظروف وملابسات مقتله، بأنه لم يُفجّر نفسه كما تقول الرواية الرسمية الأمريكية، قد لا يطول الانتظار لعمليات جديدة للتنظيم الجديد الذي سيتم تدشينه بطريقة خاصة أكثر إبهاراً من داعش وستُزرَع صورة نمطية جديدة .. فقط علينا الانتظار …