مُحاكمة البشير.. تبادُل الاتّهامات!!

الخرطوم: أم سلمة العشا

بالرغم من بُرودة الأجواء بسبب دخول فَصل الشتاء، سَيَطرت الاتّهامات المُتبادلة بين هيئتي الدفاع والاتّهام على جلسة مُحاكمة الرئيس السابق عمر البشير أمس أمام قاضي المحكمة المُكلّف د. الصادق عبد الرحمن الفكي، فتحوّلت تلك الأجواء إلى درجةٍ عاليةٍ من السخونة، وتبادل الخصمان اتّهامات التهديد والوعيد، واتّخاذ المسلك والتّصرُّفات المُشينة، كما صَحبَ الجلسة مزيدٌ من اِلتماس الطلبات من قِبل هيئة الدفاع للمحكمة، تتعلّق بمنحهم مُهلةً لإحضار بقية الشُّهود، الأمر الذي حَسمه القاضي بجُملة من القرارات الرافضة للمَطالب، كما أنّ المحكمة وفقاً لتلك القرارات لوّحت بأنّ الجلسة القادمة آخر جلسة، وستستمع إلى إفادات المُراجع القومي الطاهر عبد القيوم بعد إصدار أوامر بالقبض عليه نتيجة عدم حُضُوره أمام المحكمة للإدلاء بشهادته.

قَرارات حاسمة

قَرارات المحكمة التي تلاها القاضي بشأن رَفض مَنح الدفاع مُهلة لإحضار بقية شُهُود الدفاع في القضية، التي يُمثل فيها الرئيس السّابق عُمر البشير، ويُواجه فيها تُهماً تتعلّق بالثراء الحرام والتّعامُل بالنقد الأجنبي غير المشروع، ومُخالفة أمر الطوارئ رقم (6)، كانت بمثابة إغلاق الباب أمام الدفاع، كما أنّ تمسُّك القاضي بسماع شهادة المُراجع القومي الطاهر عبد القيوم، رغم أمر القبض الصادر في مُواجهته، وإحضاره ماثلاً أمام المحكمة، ربما تكون هي آخر الجلسات لسماع الشهود، غير أنّ هيئة الدفاع بدأت عبر مُمثلها هاشم أبو بكر الجعلي، وأوضحت للمحكمة أنّ لديها شاهدي دفاع تم إعلانهما بالحضور إلى المحكمة، الشاهد الأول فضل عبد الله فضل وزير رئاسة الجمهورية السابق، والثاني مسلم أحمد الأميري آخر وزير دولة بوزارة المالية، وأشار الجعلي إلى أنّ هيئة الدفاع لم تلتزم بإعلان مدير شركة “سين” للغلال طارق سر الختم أو من يمثل الشركة.

مُبرِّرات دفاع

مُبرِّرات ساقها ممثل الدفاع الجعلي تتعلّق برفض شاهد الدفاع الطاهر عبد القيوم، رغم أنّ إعلانه تمّ بواسطة المَحكمة، وزاد: إنّ هيئة الدفاع خَاطبته بالغرض من الشهادة، وأشار الجعلي إلى أنّ ردّ المراجع القومي جاء بخطابٍ مكتوبٍ أفاد فيه أنّ شهادته غير مُجدية في عدم وجود تقرير مُراجعة، وطلب الدفاع إيداعه في المَحضر كمُستندٍ ضمن الإجراءات.
في المُقابل، رفضت المحكمة بشدة قُبُول الخطاب، وقالت إنّها ستتولى إحضار الشاهد للإدلاء بشهادته وإيداع الخطاب للمحكمة، ومضى الجعلي قائلاً: إنّ الشاهد الثاني مسلم أحمد الأميري حضر إلى المحكمة استجابةً لإعلان الدفاع بالإرشاد، إلا أنّه طرأت عليه ظروفٌ أجبرته بجانب الدفاع إبلاغ المحكمة بها خارج القاعة، وعزا ذلك لحساسيتها، وأضاف: “بحسب إفادة الشرطة، رفض القاضي الحديث خارج قاعة المحكمة”، وقال إنّه “أمر معلوم ومقدّر”.. وبحسب ممثل الدفاع في الجلسة، أنّه لا يُريد الخوض في الحديث عن أيِّ جهاز من أجهزة العدالة “منوط به أن يُحقِّق العدالة لا أن يتكسّب منها تكسُّباً مهنياً”، وأطلق الجعلي اتّهامات للنيابة وأعضائها في التأثير على شُهُود الدفاع بالاستدعاء والتهديد المُعلن والخفي، وأشار إلى أنّه مُضَطرٌ أن يبث الشكوى خارج القاعة، إلا أنّ القاضي رَفضَ ذلك لأسبابٍ مقدّرة، لم يجد مناصاً غير الإفصاح عنها حَتّى يعلم بها “القاصي والداني”، وقال الجعلي إنّ النيابة سَبَق أن استدعت وحبست الشاهد حاتم حسن بخيت مدير مكاتب الرئيس السابق وقيّدت ضِدّه بلاغاً بالاشتراك مع المُتّهم في هذا البلاغ، وأضَافَ: “نظراً لتهافُت البلاغ وكيدية أسبابه، اضطرت النيابة لشطب البلاغ”، وقدّمت صورة من قرار الشطب للمحكمة، وقال الجعلي إنّ فتح البلاغ ضد “حاتم” كَانَ مُؤثِّراً على البلاغ، إذ أنّه الشاهد الوحيد الذي استلم المبلغ من مصدره.. وبناءً على ذلك، قرّرت المحكمة أخذ شهادته بحذرٍ باعتباره شريكاً في التُّهمة، وقال إنّ مُحاولة الاتهام الغرض منها إضعاف موقف الدفاع.

إعفاء شهادة

واصل ممثل الدفاع، اتّهاماته لهيئة الاتهام في التأثير والاتّصال بشهود الدفاع الذين حَضروا للإدلاء بشهاداتهم من قِبل بنك السودان المركزي والجمارك، وأشار إلى أنّ الشاهد الأخير طلب من الدفاع إعفاءه من أداء الشهادة بعد حُضُوره إلى المحكمة للشهادة في الجلسة الحالية، وبرّر ذلك لتخوُّفه لما قد يصيبه من ضررٍ، وألمح إلى اتّصال النيابة بالشاهد واكتفى بذلك دُون الخوض في تفاصيل الاتصال، ومَضَى قائلاً: “إنّهم لم يَشاءوا أن يستفيد مُوكلهم الذي يُواجه هذه الاتّهامات على حساب آخرين قد تتأثّر مصالحهم ومعاشهم لهذا التأثير الضار”.

والتمس الجعلي من المحكمة المُوقرة إعمال سُلطاتها بمُوجب المادة (15/2) من القانون الجنائي المُتعلِّقة بالجرائم المُؤثِّرة أو مُحاولات التأثير على سير العدالة، وأبدى الجعلي أسفه على لجوئه للسَّرد السَّابق، وقال إنّ واجبهم الأخلاقي يحتم عليهم الدفاع عن مُوكلهم ومُواجهة العَقَبات المُؤثِّرة على سير العدالة، والتمس من المحكمة أخذ العلم بما حَدَثَ وفتح الباب أمام هيئة الدفاع لاستكمال قضيتها بعدالةٍ وشفافيةٍ.

مُماطلة إجراءات

ما جعل الجلسة أكثر سخونةً، ردّ هيئة الاتّهام الذي جاء على لسان رئيسها  ياسر بشير البخاري، حيث برّأ أعضاء نيابته من كُل التُّهم والأساليب التي سَاقها الدفاع، حيث طالبه بإثبات اتّهاماته وتوعّد بمُحاسبة من نسب إليه الاتّهام، وقال البخاري: أرجو أن يُسجّل في التاريخ أنّ النيابة خَصمٌ شَريفٌ لا تلجأ لمثل هذه الأساليب، وجزم بأن ليس من بينهم من يفعل ذلك، مُطالباً المحكمة بمنح الدفاع الإذن لاتّخاذ إجراءات قانونية، ومَضَى البخاري وفنّد  طلب الدفاع بأنه منح الفرصة الكاملة لسماع شهوده واستمعت المحكمة لعدد (14) شاهداً، وإن كانت لهؤلاء الشهود قيمة لأوردهم الدفاع في قائمته، وأردف: “أن يتعلّل الدفاع بسلوكٍ مُشينٍ للنيابة للاستغناء عن بعض الشهود أمرٌ لا نقبله”، وأضاف: “إن كَانَ للدفاع شُهُود عليه إحضَارهم لمُناقشتهم أمَام المَحكمة والرأي العام”، ووصف البخاري ما يقوم به الدفاع مُحاولة لإطالة أمَـــــدَ إجراءات المُحاكمة .

تعقيب الدفاع

أمّن ممثل الدفاع في تعقيبه على ردّ النيابة بأنّ القضية تُعتبر أول سابقة قضائية من هذا النوع، ووصف سُلُوك النيابة بـ”المُضطرب”، وأضاف: “كان شريفاً كما نَعلم”، واتّهم النيابة في هذه القضية التي تتناقلها وسائل الإعلام العالمية بأنّها أرادت أن تُحقِّق كسباً مهنياً غير مشروعٍ – حسب قوله، وباهى الجعلي بأنّه يتحدّث بلسان (130) محامياً وغيرهم من الآلاف خارج المحكمة للدفاع عن البشير، وفيما يتعلّق بمنح الدفاع فُرصة كاملة لإحضار الشهود، أنّه أمرٌ ليس من شأن النيابة وإنّما المَحكمة هي مَن تُقدِّر الظروف حسب ما يُطرح أمامها، أمّا فيما يَتَعَلّق بشُهُود الدفاع وحجية ما أفادوا به، تُقدِّره المحكمة التي أمامها الحجج الناصعة التي يرى أنّها برّأت مُوكلهم من أكل المال الحرام ولا يضيره من بعد ذلك شئٌ، ونفى ما رمى إليه الاتهام بمُحاولتهم تطويل الإجراءات لا سند له، وقال الجعلي إنهم لا يستمتعون بالحُضُور لباحات المحاكم لقضاء الفراغ، وإنما يمثلون لأداء مهنة شريفة، وخطرة المآلات، وزاد: إنّ الدفاع أورد قائمة بالشهود للمحكمة للسماح بأربعة شهود إضافيين وهم بذلك لم يستجدوا الاتهام ولا المحكمة، إنما مارس حقه القانوني والدستوري والشرعي حسب تقلُّبات مسار الدعوى، ونفى أيِّ سلوك مُشينٍ أو مُخالفٍ لقانون المُحاماة وقانون التّرافُع في أيِّ مكانٍ، وأعلن تمسُّك هيئة الدفاع بما طلبوا من المحكمة.

قرارات حاسمة

قرابة نصف ساعة قضاها القاضي في كتابة قراراته، التي جاءت حاسمة للدفاع في طلباته، حيث قرّرت المحكمة رفض طلب الدفاع القاضي بالإمهال لإحضار الشهود، كما قرّرت القبض على المُراجع العام الطاهر عبد القيوم وفتح بلاغ في مُواجهته تحت المادة (94) من القانون الجنائي، وشَدّدَ قاضي المحكمة الصادق عبد الرحمن على أنّ قرار المراجع العام مُخالفٌ لأمر المُوظف العام بالحضور والتكليف بمُوجب المادة (94) من القانون الجنائي، ومنح القاضي أيِّ شاهد تَعرّضَ للتهديد والوعيد الحق في تحرير بلاغٍ بعد تقديم طلبٍ للمحكمة لمنحه الإذن، وقال القاضي في تبرير قراراته إنّ الدفاع مُنح فرصاً كافية لإكمال القضية، إلا أنه فشل في ذلك، وأشار القاضي إلى أن رفضه لمقابلة الشاهد ومحامي الدفاع كان حتمياً، غير أنه تفاجأ بأنّ محامي الدفاع أمر الشاهد بالانصراف حسب وصفه، وقال القاضي إنّ الشاهد ليس له الحق طالما جاء للشهادة، وقال إن رفض الشاهد للشهادة فيه إثمٌ عليه، لجهة أنّ “أبوابنا مشرعة لأيِّ شاهدٍ لتوضيح ما تلقاه من وعيدٍ وتهديدٍ”، وشدد الصادق على أنهم ملتزمون بحماية الشهود وفقاً لأحكام المادة (35) من قانون الإثبات، ونوّه إلى أنّها منحت الشاهد حصانة قانونية بأن لا يكون عُرضةً لأيّة مُساءلة قانونية فيما أدلى به ماعدا شهادة الزور، وقطع القاضي في حديثه أيضاً بأنّ ادّعاء الدفاع بتلقي الشهود تهديدات من النيابة لا سند قانوني له، لجهة أنه لم يحضر أيِّ شاهد حتى الآن يُطالب بإذن لفتح بلاغٍ بالتهديد، ونفى القاضي في ذات السياق ادّعاء الدفاع حول شهادة حاتم حسن بخيت، وقال: (حول شهادة حاتم لم نقرِّر ضعفها أو قُبُولها، ولم نُقرِّر رفض الشهادة لمُجرّد أنه شَريكٌ في البلاغ).

Related Articles

Back to top button