عقبات السلام..
خطوات إيجابية وفاعلة وحثيثة لإنجاح عملية السلام مع الجبهة الثورية وبقية الحركات التي وقعت اتفاقاً إطارياً في جوبا مؤخراً، رغم ذلك توجد جهات داخل قوى الحرية والتغيير وربما في دوائر الحكومة لا تريد لمشروع السلام أن يمضي إلى نهاياته، وتنظر مجموعات (قحت) المتحالفة.. شذراً إلى الجهود المبذولة حالياً لإنهاء الحرب وتحقيق تطلعات الشعب السوداني في الطمأنينة والاستقرار والسلام، وطبقاً لما يتوفر من معلومات، فإن مكونات الحرية والتغيير وناشطيها الذين عبّروا أكثر من مرة عن تذمّرهم من قيادة المجلس السيادي لعملية التفاوض، بل طالب بعضهم بإشراكهم في هذه العملية، فإن ما يتأسس من وجل وخوف لدى هذه المجموعات المتوجسة خيفة من عملية السلام ـ أنها تخشى على مكاسبها السلطوية والسياسية، وليس من أجل مصلحة البلاد والفوائد التي تُجنَى من وقف الحرب.
وحتى نكون أكثر دقة في قراءة تفاصيل المشهد العام من عملية التفاوض، لابد من النظر ومتابعة ما يجري من ردود أفعال ومناقشات داخلية في أوساط الحرية والتغيير التي تتنزّى بالمعلومات المبذولة على قارعة الطريق، ترى ( قحت) بكل فسيفسائها السياسي وجوقتها المُطبّلة أن أي اتفاق يُبرَم مع الجبهة الثورية والحركات، سيُعيد تركيب السلطة القائمة من جديد، على مستوى المجلس السيادي والحكومة وتتنزل إلى مستوى الولايات ومستوى الحكم المحلي، ثم المجلس التشريعي الانتقالي المُرتَقب، سيخرج كثيرون ويدخل قادمون، ستتقلَّص الأنصبة، وستُعاد عملية توزيع المناصب، وحسب ما يقال إن نصيب هذه المجموعة سيقل بنسبة كبيرة ربما تفقد معها السيطرة الكاملة الموجودة حالياً، خاصة أن قوى إعلان الحرية والتغيير قد خسرت الحركات تماماً بعد اجتماعات أديس أبابا السابقة التي طُوِيَت فيها الصفحة تماماً، ولم تعُد العلاقة كما كانت، وقام جدار سميك من عدم الثقة بين الجانبين.. وسعت المجموعة المُتحكِّمة في قوى الحرية والتغيير إلى إبعاد الحركات المسلحة تماماً وأقصتها من السلطة، ولم تعترف حتى بأهمية السلام كأولوية في الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية المُوقّعة بين شريكي الحكم الحاليين المُكوِّن العسكري والمدني.
وتعتقد (قحت) أن مشروع السلام الحالي الذي يقوده نائب رئيس المجلس السيادي ومعه فريق المجلس الذي يضم العسكريين وبعض المدنيين، سيُفرِز مُعادَلة سياسية جديدة، تقتضي أن تتبعها بالضرورة قسمة للسلطة وفق اتفاقية مُلزمة تُعطى على الأقل للحركات المسلحة المنضوية تحت راية الجبهة الثورية ومعها حركة الحلو، وربما عبد الواحد نور أكثر من 40% من السلطة القائمة، وسيفتح ذلك الباب أمام تقاسُم جديد لكيكة السلطة وسيدخل شركاء جُدُد تم إبعادُهم من قبل من قوى سياسية ذات تأثير ووجود قد تزيد نسبتها عن 20% بجانب ما يفرضه الواقع العملي من أخذ المُكوّن العسكري نصيبه، وما تبقى يتوزّع بين مكونات الحرية والتغيير التي ستتنازَع على ما تبقّى.
وتخشى دوائر في بطن الحرية والتغيير تتهامس مع بعض الجهات الخارجية، أن يكون الاتفاق المُرتقَب مع الحركات والمجلس السيادي أن يؤدي إلى تحالُف جديد يجمع هذه الحركات بالمُكوِّن العسكري، وباتت الحركات تُمثّل وفق منطق اليوم وما جرّت إليه البلاد من تصنيفات ونزعات جهوية ومناطقية، باتت تمثل بُعداً اجتماعياً وثقلاً لا يستهان به في تعبيرها وتمثيلها لأجزاء من المجتمع ظلت تُعلن أنها مُهمّشة ومهضومة الحقوق، وسيُعلي الاتفاق من القيمة السياسية الفعلية للمكون العسكري مقابل تراجُع سعر صرف عملة الحرية والتغيير في سوق العمل السياسي بسبب الطيش والعجز وضآلة المُنتَج في العمل التنفيذي للحكومة القائمة.
لذلك ليس مُستغرَباً أن تكون الحكومة المدنية وقوى الحرية والتغيير غير مُتحمّسة بما يكفي للمفاوضات، بل تعمل الكادرات السياسية والناشطون في صفوفها للتقليل من أهمية التفاوض، وتنادي أطراف مُقرَّبة منهم للعمل من أجل إجهاض المفاوضات ووضع العراقيل أمام طريق الاتفاق الذي بات ممكناً، وسيعمل هؤلاء وبدعم من بعض الجهات في الخارج على تقويض العملية السلمية ومحاولة إفشالها، والغريب أن حالة من النفاق السياسي تعتري الحرية والتغيير عبر حكومتها وبعض وجوهها، ففي الوقت الذي يُعلِنون فيه دعمهم للجهود الماضية من أجل السلام ويُطلقون تصريحات حول أهمية السلام وأنه خيار استراتيجي، فإنهم يعملون في ذات الوقت لوأد السلام برغبة مُتوحّشة وجنونٍ لا حدَّ له.. وستُبدِي لك الأيامُ ما كنت جاهلاً..!