“الشلة”.. رسائل الحاج ورّاق!!
*تابعت باهتمام شديد جلسة الأستاذ الحاج ورّاق بمنتدى كباية شاي بجريدة “التيار” قبل يومين؛ وذلك لأتمكن من قراءة المشهد السياسي الراهن بعيون سياسي ذكي وناقدٍ ومبينٍ، وما خاب ظني فيه، فعهدي به دائماً كذلك.. وهذا الظن مرده لرحلة علاقة طيبة ودودة جمعتني به منذ سنوات وجوده في الخرطوم عقب ظهوره من فترة الاختباء القسري في فترة التسعينيات وتأسيس حركة “حق”.
وعادت بي الذاكرة أثناء حديثه في المنتدى إلى تسريب مسجل له في مبتدأ حركة انتفاضة ديسمبر، حيث حذر فيه من أوضاع سالبة داخل تحالف قِوى الحرية والتغيير، وقد كان لي في برنامج (حال البلد) وقفة طويلة مع هذا التسجيل المُسرّب لقراءة المشهد في جبهة المعارضة مِمّا أثار سخطهم، إذ كانوا يرجون أن تكون الكاميرا فقط حكراً على أوضاع الخرطوم ومؤتمرها الوطني.
ورّاق دائماً ما كان يتحرّك في أحاديثه بعيداً عن الغتغتة والتستر على أوضاع داخل منظومته السياسية التي يُدين لها بالولاء، ولربما كان الباعث لذلك مُنطلقاته الفكرية الراسخة، وتحرُّكه بأفقٍ غير محدود، وكونه غير مأسور بقيود التنظيمات التي تحُول دُون طلاقة التفكير، وقراءة المشهد كما ينبغي لا كما يجب أن يكون، فنجا في تحليلاته من الرغائبية والهتافية إلى حدٍّ كبيرٍ.
من أبرز ما حذّر منه ورّاق أن تقع فترة الانتقال هذه في أسر “شلة”، بمحدوديتها وتفكيرها الضيِّق؛ مُستغلة حالة غياب القيادة السياسية لقِوى الحرية والتغيير، والانقسام الصراعي بين ما يُسمى بالتنسيقية والمجلس المركزي.
وَحَذّرَ ورّاق من صعود المُتطرِّفين داخل هذه القِوى، ممّن يودون أن يقودها إلى خياراتهم القُصوى، بعيداً عن التّوازُن والاِعتدال، ومُنبِّهاً كذلك إلى تنامي نزعة شُمُولية تستهدف المُخالفين، والتي يعني ذُيُوعها خيانةً لقيم الثورة ومبادئها، ضارباً المثل بقضية د. عبد الحي يوسف الذي يمثل في (قضية كرة القدم للنساء) رأياً مُخالفاً، وموقفاً يتّصل بموقف تيار مُحافظ في المجتمع.. مؤكداّ أنّ الشيخ من حقه أن يقول ما يرتئيه في منبره، طالما لم يقد مجموعة صوب ميدان الكرة لفرض رأيه بالقوة.
ورفض الحاج كذلك وضع الإسلاميين في سلة واحدة، وتصنيفهم كمجموعة واحدة، مؤكداً وجود مجموعة منهم شاركت في التغيير ودفعت ثمن ذلك، وضرب المثل بالأستاذ الشهيد أحمد الخير، والقيادي الشاب هشام الشواني.
وحول جهاز الأمن، دعا ورّاق لإنشاء جهاز أمني بصلاحيات تنفيذية، معني بقضايا مُكافحة الإرهاب، يتأسّس على وحدة مكافحة الإرهاب الموجودة الآن في جهاز الأمن؛ مؤكداً دخول مجموعات من بوكو حرام وداعش للخرطوم مما يجعل الحديث حول أهمية هذا الجهاز وضرورة تأسيسه أمراً يستحق الانتباه.
ومما توقّف عنده ورّاق أيضاً همهمات الداخل في قِوى الحرية والتغيير حول رفع الدعم، مُحذِّراً من الذهاب “بخفة” لمثل هذا الخيار؛ لكلفته السياسية العالية؛ ولأثمانه المُجتمعية الباهظة، داعياً إلى مؤتمر اقتصادي لمُناقشة الخيارات والبدائل، وإلى اجتراح طُرق التّحوُّل المُتدرِّج بدلاً من القفز لخيارات سوف تلهب الوضع في البلد، كما قال.
بدا الحاج ورّاق في جلسته تلك حريصاً على أن تعبر قِوى الحرية والتغيير المرحلة الانتقالية وهي مُوحّدة، فدعا إلى عدم استخدام ذات الخطاب مع الأعداء بين مُكوِّناته في خلافاتهم.. وإلى ضرورة تقبل الخلاف، ومُفارقة حالة التوحش والتخوين السائدة..!
لم تَنتهِ رسائل الحاج ورّاق، لكن مصاديق بعض مِمّا يقول شاخصة في الواقع، وما يدور الآن من عملية إحلال وإبدال في تجمُّع المهنيين شاهد ودليل. وسنعود لمزيدٍ من الرسائل ولمزيدٍ من التشريح والتحليل، بإذن المولى القدير.