تقرير: نجدة بشارة
ضجت الأسافير دهشة واستغرابأ من حجم المبالغ الدولارية والمحلية التي كانت ولا تزال تصرف للوزراء نظير مشاركتهم في اجتماعات الإدارات، لا سيما وأن الدولة ما زالت غارقة في أزماتها المعيشية والمواطن يشكو لطوب الأرض، مما حدا بمجلس الوزراء الأسراع بإصدار قرار بمناقشة معالجة حوافز الوزراء بالشركات باعتبارأن أرقامًا كبيرة تستنزف خزينة الدولة، فيما تباينت ردود الفعل تجاه طريقة اعتذار الوزير عن قبول الحافز، واعتبروها نهجاً جديداً يؤسس لسياسة إصلاحية لحكومة الثورة والحكومة الانتقالية التي جاءت تحمل هم قضايا الشعب، بينما رآها البعض بأنها مجرد دعاية إعلامية، وتبييض صفحة مدني عباس لما سبق وأثير حولها من غبار إبان توليه حقيبة الوزارة من حملة تشوية وتشكيك في أوجه صرف مبلغ (82) ألف دولار حصلت عليه منظمة نداء التنمية التي يديرها مدني من المعونة الأمريكية ، وقالوا بأن إيقاف إهدار المال العام يتطلب قرارات مراجعة لمجالس الإدارات التابعة لوزارته والاطلاع على اللوائح ثم تخفيض حجم المستحقات بتوجية مكتوب لهذه الشركات، حتى لا يتكرر ذلك مستقبلاً، وإلا فما الضامن لتحويل شيكات مماثلة مستقبلاً.
كشف المستور
ولعل خطوة مدني عباس بتحويل حافزه لوزارة المالية كوزير ورئيس لمجلس إدارة شركة سكر كنانة التي تبلغ ثمانية عشر ألفاً وثلاثمائة وخمسين دولاراً لحضوره اجتماع مجلس الإدارة،ومخصصاته عن رئاسة مجلس إدارة شركة سكر النيل الأبيض والبالغ قدرها 194.015جنيه بشيك رقم 069557 للخزنه العامة، مثلما وجدت القبول والأستحسان، إلا أنها فتحت بالمقابل أبواب الجدل على مصراعيه وأعادت للأذهان سياسات وممارسات الحكومة السابقة وحجم الإنفاق البذخي لمخصصات الدستوريين التي قعدت بالاقتصاد وأعيته عن النهوض.
بيد أن مدني كشف المستور عن حجم تلك (المخصصات) التي ظلت حبيسة الغرف المغلقة وأرقامها من المحرمات على عامة الشعب، وانتقد البعض مدني في نشر الخطاب وضربوا بمثال لسابقة وزير الصناعة عبد الوهاب، حيث كتب د. عبدالواحد يوسف وزير الدولة للصناعة عام 2013، وبعد وفاة المهندس عبد الوهاب محمد عثمان وزير الصناعة في ذلك الوقت ، قال لأغراض حصر وتصنيف واستلام مكونات مكتب الوزير قامت لجنة بعضوية وزير الدولة د. عبد الواحد يوسف ومدير مكتب الوزير محمد عيسى، قال: وجدت اللجنة 15 إيصال توريد لصالح حساب وزارة المالية ببنك السودان بتواريخ مختلفة موضوعه في مشبك حديدي على درج منفصل بقيمة (٥٠٠٠$) لكل توريده عبارة عن مكافأة الوزير من شركة كنانه كرئيس لمجلس الإداره ويقوم الوزير بالتوريد والاحتفاظ بإيصال التوريد دون علم وزير المالية.
مغالاة وهدر
يرى الخبير الاقتصادي وعضو سابق بمجلس إدارة شركة سكر كنانة د. عبد الله الرمادي في حديثه (للصيحة) بأن مبلغ الحافز فيه مغالاة تدعو للريبة والشك في حجم المبلغ الذي خصصته الشركة كحافز للوزير، وأردف بأن المبلغ الذي أعطي للوزير يمثل تسعة أضعاف المبلغ المتعارف عليه بالشركة، وأردف ونسبة لأنى كنت أحد أعضاء المجلس كنا نتقاضى حوالي ألفي دولار عن كل اجتماع ، أما أن يصل إلى 18 ألف دولار هذا غريب ويتجاوز حدود الحوافز المتعارف عليها، ويدعو للتشكك في نوايا الشركة ربما تفسر على أنها لأغراض التساهيل وأردف: حجم الحافز الكبير ربما دفع بالوزير لتحويله لخزينة الدولة، وأضاف: حسناً فعل الوزير برفضه، وحتى بخصوص شركة سكر النيل الأبيض المبلغ كبير نظير اجتماع ويمثل هدراً للمال العام.
وقال الرمادي: صحيح أن حوافز مديري وأعضاء الشركات ليس بدعة أو شيئاً مستحدثاً وإنما منصوص عليه من منطلق أن مجلس الإدارة مكلف من قبل حملة أسهم الشركات لتحقيق أرباح لهم بحسن إدارتهم لهذه الشركات، وبالتالي يكونون مساءلين قانونياً وجنائياً في حال الإخفاق في الإدارة وتكبيد الشركة الخسائر، وقال: من حق الوزراء المسئولين الأعضاء بالمجالس أن يتقاضوا هذه الامتيازات.
استحقاقات موضوعية
ويرى الخبير الاقتصادي ووزير الدولة بالمالية الأسبق د. عزالدين إبراهيم في حديثه (للصيحة) بأن حوافز الوزراء حسب اللوائح والقوانين تعتبر موضوعية، ولا يمكن الاعتراض عليها باعتبار أن مرتبات الوزراء عادية وربما لا تكفي حجم المنصرفات لمن يتقلد مناصبهم ولا يستطيعون القيام بعمل إضافي بل يقضون الأربع وعشرين ساعة في الانهماك في الاجتماعات، وبالتالي مثل هذه الحوافز تغطي على تكاليفه بطريقة شرعية، وقال بأن هنالك عدداً من الوزراء ربما جاءوا إلى الوزارة بدخول تفوق مرتباتهم التي تخصصها الدولة وبالتالي لا يمكن أن يهدر وقته بمقابل أقل من دخله السابق، وأردف: لذا علينا أن نكون واقعيين، واستحسن د. إبراهيم خطوة وزير الصناعة والتجارة بالاستغناء عن حافزه وتحويله للمال العام، الا أنه رأى بأن مدني بهذا السلوك وضع زملاءه الوزراء أمام امتحان وأعباء كبيرة بين قبول هذه الحوافز لجهة حاجتهم لتسيير شئونهم الحياتية وبين انتهاج مسلكه واعتبار هذه المخصصات إهداراً للمال العام.
دعاية إعلامية
واعتبر مدير ديوان الضرائب الأسبق أحمد آدم سالم بأن خطاب وشيك مدني لوزارة المالية دعاية إعلامية وليس له علاقة بالإجراءات، وقال في مدونة مكتوبة له بأن هذه الاستحقاقات يقرها مجلس الإدارة وفق لائحة وترصد في ميزانية الشركة تحت بند استحقاق مجلس الإدارة وتكون في الغالب مرتباً شهرياً مع نسبة من الأرباح توزع سنوياً بين أعضاء مجلس الإدارة، وفي حالات كثيرة يكون هنالك تمييز لرئيس المجلس عن الباقين، وفسر بأن توريد الوزير المبلغ للخزينة العامة ربما اقتنع بأنه لا يستحق هذا المبلغ لأنه لم يقم بأي عمل أو جهد تجاه الشركة بعد توليه المنصب حديثاً أو أن هذا المبلغ فيه إهدار للمال العام، وأوضح بأنه حسب اللوائح المالية كان عليه توريد المبلغ لحساب الشركة التي أصدرت الشيك ويستلم بدلاً عنها حافظة توريد إبراء ذمة حتى يجد ذلك المراجع عند مراجعته لحسابات الشركة ويسجل أن الوزير لم يستفد من هذا المبلغ، لأن إرساله لوزراة المالية لا يخلي طرفه من المصدر الذي حرر الشيك، بالإضافه إلى أن من ناحية إجرائية ولائحية لا يجوز إرساله بخطاب إلى وزارة المالية إلا إذا كان الغرض من الخطاب الدعاية الإعلامية التي يضيفها الوزير إلى نفسه بدعوى الشفافية والنزاهة، ونبه إلى أنه إذا أراد الوزير معالجة الأمر وإيقاف إهدار المال العام عليه مراجعة جميع مجالس الإدارات التابعة لوزارته والاطلاع على لوائحها واستحقاقاتها.