* ونحن صغار، وفي عهد مايو، ورغم الكبت والتضييق إلا أننا كنا نحتفي بها سنوياً ولا ندري كنهها ولا كنه الاحتفاء بها، فقط كنا نردد مع محمد المكي إبراهيم: كان أكتوبر في أمتنا منذ الأزل … كان عبر الصمت والأحزان يحيا، صامداً منتصراً حتى إذا الظلم أطل… أشعل التاريخ ناراً فاشتعل..!!!
* كنا نردد مع وردي مع كل حلولٍ للحادي والعشرين من أكتوبر كواجب مقدس فرضه علينا كبارنا الذين عايشوا تلك اللحظات وصنعوها، حتى إذا ما كبرنا تمنينا أن نكون معاصرين إن لم نكن صانعي أعظم وأسلم ثورة شعبية وانتفاضة ربيعية سبقت ثورات الربيع العربي بخمسة عقود…!!
* في ذكراها الخامسة والخمسون والتي صادفت الإثنين الماضي 21 أكتوبر 2019م، ففي ذات اليوم من العام 1964م اندلعت الشرارة الأولى للثورة بعد ندوة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم الشهيرة داخل ميادين البركس، ليستشهد الطالب (القرشي) برصاصة الشرطة لفض الندوة، فتمددت الانتفاضة فتلتقطها النقابات وجماهيرها الغاضبة والحانقة على الوضع وقتها، نرفع القبعة احتراماً وامتناناً لمن منحونا لحظات صدق وفخر تلامس الوجدان الوطني.
* مع دخول أكتوبر من كل عام تطغى مظاهر احتفاء السودانيين بأكتوبر على كل مظاهر أخرى، فمنذ أكثر من أسبوعين يتداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بووك) و(واتس آب) فيديو احتفائياً يجسد الملحمة الشعرية التي صاغها المبدع هاشم صديق في العيد الرابع لثورة أكتوبر أي في عام 1968م.
* هذه الملحمة قام بتوقيع لحنها الموسيقار الباشكاتب محمد الأمين (أطال الله في عمره) فأبدع في ذلك فجاء لحنه آسراً للوجدان فتحكر ولا زال باقياً في وجدان الكثير من السودانيين بدليل أنه لا زال متداولاً بيننا، وظللت الحماسة ملامح كل مقاطع من ذاك النشيد الذي أشرك فيه محمد الأمين في أدائه كلاً من الراحل خليل إسماعيل وعثمان مصطفى وبهاء الدين أبوشلة والفنانة الكردفانية أم بلينة السنوسي .
* تقول مقاطع من الملحمة التي كان المسرح القومي (وعاءً لعرضها):
لما الليل الداجي الطوّل
فجر النور من عينا اتحول
كنا نعيد الماضي الأول
ماضي جدودنا الهزمو الباغي
وهدوا قلاع الظلم الطاغي
***
وفي ليلة وكنا حشود بتصارع
عهد الظلم الشبّ حواجز شبّ موانع ..
وجانا هتاف من عند الشاعر
قسماً قسماً لن ننهار
طريق الثورة هـُدى الأحرار والشارع ثار
وغضب الأمة اتمدد نار والكل يا وطني حشود ثوار
وهزمنا الليل والنور في الآخر طل الدار والعزة اخضرت للأحرار
* عموماً.. ستظل ذكرى ثورة أكتوبر نبراساً للشعوب التي تأبى كل ضيم وإجحاف، وهو أمر جعلها تبقى ولا تزال مادة بحثية مغرية للصحافة العالمية إلى يومنا هذا، فهي المرآة العاكسة والدليل الشاخص على حيوية الشعب السوداني، فثورة أكتوبر ستظل معلماً بارزاً في السياسة السودانية لأنها أرست سابقة وسنة حسنة في مجال مقاومة النظم الشمولية وكررها الشعب بعد أقل من ربع قرن في أبريل عام 1985م.. ثم تكرر الامر في الحادي عشر من أبريل الماضي حين أفلحت ثورة الشباب في إنهاء حكم البشير بعد 30 عاماً من الحكم.
* نوء أخير
فتسلحنا بأكتوبر.. لن نرجع شبرا
سندق الصخر … حتى يخرج الصخر
لنا زرعاً وخضرة….
ونرود المجد حتى يحفظ الدهر لنا
اسماً وذكرى