ما هو المطلوب من حكومة حمدوك حتى تعبر؟ (3)
ما زال حديثنا عن حكومة حمدوك وكيف تعبر وقد ذكرنا في المقالات السابقة لا بد للحكومة أن تكون لها برامج إصلاحية تطال كل مؤسسات الدولة، وأن يكون البرنامج معلوماً لدى الشعب معلناً على أجهزة الإعلام وعليه تحاسب لكن شيئاً من ذلك لم يحدث حتى الآن، بل ظلت الحكومة منشغلة بتصفية الحسابات والإقصاء والإقالات غير المبررة، ونقول إذا كانت الفترة السابقة قبل سقوط الوضع محتاجة إلى حماس وثورية فالثائر معذور والوضع بعد السقوط يختلف ويحتاج إلى حكمة وروية ومعالجة للأمور وتجرد من كل غرض، فإن لم تكن قد كسبت كل الناس فاجعل من هو ضدك في الحياد والعاقل من يحذر عدوه مهما كان ضعفه، وكان بدلاً من التصريحات الاستعدائية والتحدث عن الدولة العميقة وتضييع الزمن في ذلك كما أضعناه من قبل في التحدث عن سدنة مايو وكنس آثارهم حتى جاءت الإنقاذ وانقضت على الديمقراطية، فكان الأفضل أن نترك ذلك للجهات المختصة وأن يجلس كل وزير مع اصطاف وزارته ويطمئنهم بأنهم لم يأتوا لينتقموا من أحد إنما جاءوا ليصلحوا ما آل إليه الوضع من سوء، وأنهم لن يقصوا أحداً إلا بجريمة ولن يأخذوا إلا بتهمة ووفق القانون، وأن كل من آمن بفكرة الإصلاح وانخرط في سلك الثورة فهو في أمان مع مراعاة أن كثير من الذين يديرون شؤون الدولة لم يعرفوا غير الإنقاذ حكومة ولا غير المؤتمر الوطني حزباً وأن من ولد في هذه الفترة عمره ثلاثين عاماً فمعالجة الدولة العميقة لا تتم بالعنتريات وإنما بتحقيق أهداف الثورة، وما خرج الشارع من أجله نأمل أن يزداد العطاء لتحقيق مطلوبات الثورة فالناس بحاجة إلى أن نقنعهم أننا خطونا خطوة نحو الأفضل حتى يصبروا على نهاية المشوار، أما التحدث عن حل المؤتمر الوطني والتحرش بأتباعه إنما يدفعهم ذلك إلى التحصن والتمترس والمكر والتوحد ولا زال الإصلاح ممكناً إذا تحررنا من الأيدلوجيات والغرض وأشركنا الجميع.
ومن المزعج أن بعض المسؤولين في الحكومة لا زالوا مستمرين في التصريحات المستفزة والانصرافية، وتمنينا أن تكون آخر التصريحات ما صرح به وزير الأوقاف وهو يتحدث عن الإسرائيليين، ووزيرة التربية والتعليم وهي تتحدث عن المذاهب وعضو مجلس السيادة عائشة موسى وهي تتحدث عن الشريعة، وإذا بنا نفاجأ بتصريحات لوزيرة العمل أنهم مقبلون على التوقيع على اتفاقية سيداو، الاتفاقية المعروفة بالانحلال والإباحية وبإقرار زواج المثلية، ووزير العدل الذي صرح بأنهم مقبلون على تعديل قانون النظام العام والأحوال الشخصية والقراي والذي حيا الملحدين من منبره على الهواء وأظن ونأمل أن يخيب ظني بأن الحكومة لم يكن من أولوياتها تحقيق ما خرج من أجله الشارع، لكن من أولوياتهم تثبيت أفكار معينة وتمكين الحركات المسلحة وإشراكهم في الحكم ليستقووا بهم لتحقيق أهداف تجمعهم وهي العلمانية، وإبعاد كل ما له علاقة بالإسلام والدين، يحدث هذا بعد أن اهتزت الثقة بين قوى التغيير والمؤسسات الأمنية بسبب بعض التصريحات المستفزة هنا وهناك، وأننا لم نطالب أحداً بإقامة دولة إسلامية أو بتطبيق الشريعة ولا نثق في من يرفع شعاراً كهذا، ولا نلدغ من جحر مرتين، ولكن المطلوب منهم أن لا يمسوا ديننا وعقيدتنا من بعيد أو قريب بالتصريح أو التلميح أو التشريع وإلا سوف نواجه ذلك بكل ما أوتينا من قوة، وكما ذكرنا من قبل أن الإنجليز حكموا السودان ستين عاماً ولا زال الناس يذكرونهم بخير لأنهم لم يتعرضوا لدين الناس ومعتقداتهم وكانوا أفضل من حكم السودان مقارنة بالحكومات الوطنية ويجب أن نتجنب توجيه تهمة كوز إلى كل من انتقد قوى التغيير أو نبه إلى خطأ، فهذه أول عقبة أمام الديمقراطية لكي تنساب، ونلفت النظر أن كاتب هذه السطور صوفي وخليفة سجادة، ولا ينتمي إلى أي حزب من الأحزاب السودانية، ولكن من باب النصح كانت كتاباتي والدين النصيحة.
ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
E-mail:[email protected]