يوم الشفافية
*عدد قليل من الرجال الفقراء هربوا في جنح الليل من أاطهر بقاع الأرض “مكة المكرمة” إلى تلك المدينة- يثرب- التي اكتسبت شرف تأسيس أول دولة عظيمة في عشر سنوات من الزمان، ثم تقارع الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية, ثم تواجه خطر تمرد القبائل العربية وحروب الردة بعد وفاة أفضل الخلق والمرسلين سيدنا محمد (ص).
*عقب وفاة خاتم الأنبياء والمرسلين، وفي عهد الخلافة الراشدة كان هناك فساد وإن كان قليلاً، وقصة المرأة التي كانت تصب الماء في اللبن وبيعه ليست بعيدة عن عقول الكثيرين، ولكن ابنتها كانت ترفض فعل ذلك الأمر، وسمعها الفاروق عمر بن الخطاب، وفي اليوم التالي زوجها لابنه عاصم ومن صلبهما خرج الخليفة الخامس عمر بن العزيز.
*في تلك الحقبة وما بعدها كان من يفعل سوءاً يذكر على الملأ لغرابة فعله، وفعل الخير كان كثيراً واعتياديًا عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين من بعده.
*ولكن في هذا الزمان تغير الحال وأصبح من يفعل الصواب يمجد وتجد سيرته على الجميع وغيره كثيرون يخطئون وكان الأمر عادياً جداً.
*قبل سنوات قريبة احتفى كل السودان براعي غنم في المملكة العربية السعودية فقط لأنه رفض التصرف في مال أحد رعيته وكرم على ذلك الفعل رغم أنه الصواب.
*وأمس حملت الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي خبر إرجاع وزير الصناعة حافزه من رئاسة مجلس إدارة شركتي كنانة والنيل الأبيض للسكر، وهو أمر أكثر من عادي، ولكنه يحدث في زمن كثر فيه الفساد وأصبح من يعمل الصواب هو في قمة المجد.
*لا نريد الخوض كثيراً في تفاصيل المبلغ الذي أعيد لوزارة المالية من السيد الوزير، ولكن السؤال هو حتى متى سنظل نحتفل بموقف يعتبر طبيعياً وعادياً لمسلم يعلم أن الإسلام وضع له طريقاً لكسبه الحلال ومحاذير للكسب الحرام.
*ما فعله وزير الصناعة يعتبر موقفاً طبيعياً، ولكنه جاء في زمن غير طبيعي، زمن كثر فيه الفساد والرشوة وأكل المال الحرام.
*الفساد ظاهرة إنسانية قديمة في الأمم, ولا يكاد يخلو عصر من العصور من ظاهرة الفساد, والفساد سبب كل تخلف يصيب الأمة, وهو سبب للاستبداد والدكتاتورية وخير معين للطغاة والفاسدين, فأينما وجد فساد وجد التخلف والعكس صحيح, وأينما وجدت الديكتاتورية والاستبداد وجد الفساد والعكس أيضاً صحيح.
*عمومًا ما فعله السيد وزير الصناعة يعتبر خطوة مبشرة في هذا العهد، ولكن يجب عليه أن يزيد على خطوته هذه بتقليص مجالس إدارات المصانع والشركات الحكومية حتى يستفاد من مال حوافز هذه الاجتماعات فيما هو أفيد للبلاد والعباد.
*نرجو أن نشهد يوماً في السودان نعاصر فيه النزاهة والشفافية التي تجعل الوزير يفعل الصواب دون أن يشار إليه إعلامياً ليصبح الأمر طبيعياً وليس خارقاً وغير معهود في أرض النيلين.