زغاريد الويسكي والمريسة
يعتز الناس بما يملكون.. ولا يجدون بدًاَ من التصريح بهذا الاعتزاز المجيد.. ليتواصل ويستمر الدعاء الماثور في تعزيز صلة الأصول بالفروع:
(يعجبوك أولادك)..
إلا أولئك الذين لا يملكون، فيلجأون إلى ما يملكه إخوانهم… يقول (الغرابة):
(سلمبويتي ولا كدكاي زول)..
ويعرف أهل (الغرب) أن من الضروري تثبيت قدميك حين تريد أن تنقل عينيك حيث تشاء..
ولذا أطلق الرسول بيانه الساحر وانتماءه الاستراتيجي لزمرة المساكين:
(… إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بـمكة).
والقديد ليس إلا الاسم الفصيح لـ(الشرموط).. ذات الخيط وذات التجفيف..على أن هذا اللحم المجفف كان قادراً على توكيد توطين سيد المرسلين في قلوب الناس واعتنائه العميق بتفاصيل حيوات الناس.. غير مُتعالٍ ولا مترفع.. واحد من الناس. يحس آلامهم ويحيط بأقضيتهم وهمومهم.
ما بخش مدرسة المبشر
عندي معهد وطني العزيز
عندي وطني بقضالو حاجة
كيف أسيبو وأروح لي خواجة
بهذه الكلمات العميقة واجه قريبي خليل فرح محاولات الغزاة طمس هويتنا وتغريبنا ومسح ذواتنا.. فجرد زغرودته المؤمنة بلا (شخشخة) بكل ما هو سوداني عزة وافتخاراً أصالة وشموخاً…
* حاوية كاملة!؟… فلماذا زاد الطلب هكذا ومرة واحدة!؟..
يحكي الشيوعيون ولتبرير هزيمتهم في(الديم) أن ناس الجبهة الإسلامية ذهبوا إلى (ستات العرقي) وحدثوهن أن الشيوعيين لو فازوا سيقومون بإلغاء الشريعة وفتح البارات، الأمر الذي سيهدد سوق الخمور البلدية)!!..
والطرفة على عبثيتها إلا أنها تطرح أهمية أن تتصل رؤية التنظيمات والدوائر الفكرية والسياسية بما تعارف عليه الناس من تقاليد وأعراف وأن(تباري) مع الناس (القيف) وألا تخوض في (درب الغريق) إلا بما تسمح لهم شعوبهم، وأن أي محاولات للتغيير لا تنشغل بما يعتمل والوجدان العام ستظل محاولات تغيير بائرة ومهزومة.. الردة عنها حتمية الوجوب.. وسقوطها لا يحتاج لزمن طويل.. ثم إنها أفدح ثمناً وأقل وسامة وحضوراً.
(بخيتة) ست الانداية في زمان الإنجليز أدهشها أن الخواجة على غير عادته (ترك الكرسي) الذي اعتاده وتقرفص في (بنبرها) ثم طلب بصوت واضح وعالي(أم فتفت).. فغرت فاها وعيناها اتسعت.. لكنه لما طلب منها (المريسة) و(بالبرمة)! لم تتمالك نفسها فأطلقت زغرودتها الضاجة، التي تجاوزت الزمان والمكان لتحكي للدنيا تفاصيل غبطتها:
(ايووي يووووووي.. الخواجة أسلم)..
كانت زغرودة وطنية ملونة.. فلا شك أن ما تربحه بخيتة من المريسة التي استفتتح بها الخواجة لا يقارن بما كان يشتريه الخواجة قبل إسلامه!! ولكن فرحتها لا صلة لها بتلك (البرجماتية) اللعينة وتقاطعات المصالح و(الرسالة التانية) و(حاويات الخمور)..
فتلك فرحة كامنة تعرف وتقيم انجذاب (المغاير) إلى (قصعتها) وتقربه إلى (ما تؤمن به)… وفرق كبير بين زغرودة الويسكي وزغرودة المريسة.. فالأولى من (نمرة اتنين) والتانية من (نمرة الوطن)!!
وإن كان لابد من كنداكة فَلِم لا يتم تعيين (بخيتة) ست الانداية وزيرة ..
ستتنازل عن (بيركها) الشهير لصالح علم السوداني..
وستكون مبينة ومبصرة وستعرف متى وكيف ولماذا تطلق زغرودتها..
على الأقل ستفرح معنا بـ(سودنة) الخواجة و(أسلمته) بدلاً من الذين يفرحون الآن بـ(إلحاد) السوداني و(خوجنته).