تحدّث السيد د. عبد الله حمدوك رئيس الوزراء الانتقالي في خطابه بمناسبة ذكرى ثورة أكتوبر التي رفرفت بأجنحتها أمس، أن هناك عقبات وعوائق وُضِعت عمداً أمام الحكومة الانتقالية، ولم يكشِف كبير الحكومة، عن الجهات التي وَضَعت أمام حكومته هذه العقبات والعوائق… ولم يُصرّح علناً أو يشير تلميحاً إليها، واكتفى كما يقتضي الحال أن يؤكد العزم لتجاوُز هذه الصّعاب والعقبات مهما كان حجمها ومهما تعقّدت. لو دَرى السيد حمدوك أن مثل هذا النوع من الخطاب التبريري لا يُلِيق بحكومته الانتقالية التي غرقت في توهّم خصم غير موجود وعدوٍّ غير متحفّز لقتال، ومحاولة إلقاء اللوم على جهات أخرى في هذا التوقيت دون أن يرى عامّة الشعب مجرد بدايات صحيحة وجادّة سيُضعِف الثقة في الحكومة الانتقالية وعما قليل لن يأبه لها أو ما تفعل.
الحكومة هي التي وضعت أمام نفسها العقبات والعوائق، وكل شيء من صنع أياديها، فهي لم تَهْتَد إلى الطريق الصحيح بعد في معالجة الأوضاع الاقتصادية، فقط لو وضعت أقدامها على الطريق الصحيح لاطمأن الناس، ولم تُفلح في اختيار كثير من الوزراء من ذوي الكفاءة والخبرة والدِّربة والتجربة الناضجة ممن يجيدون مُجرّد التفكير الجيّد وإعمال النظر أو على الأقل المذاهنة للتوصل إلى الحلول المطلوبة والنتائج الناجعة، ولم يقدم وزراء حكومة السيد حمدوك حتى الآن ما يقنع الرأي العام في الفترة القصيرة التي قد لا تكفي للحكم القاطع النهائي حولهم، لكن ما ارتكبوه من أخطاء فادحة وما خلّفوه من انطباعات لدى الرأي العام، جعل النفوس تسأم والآمال تتبدّد كخيوط الدخان.
ليست هناك جهة وضعت عراقيل أو عقبات أو عائقاً أمام السيد حمدوك وحكومته، فالسيد رئيس الوزراء حاز على تأييد وإجماع سياسي غير مسبوق من مؤيّديه وحتى خصومه، وتوفّر على سُلطة كاملة وصلاحيات تكفيه لابتدار وتنفيذ برامج إصلاحية شاملة واتخاذ ما يشاء من قرارات. وأكبر خصم مُحتَمل للحكومة هو المؤتمر الوطني، وكل مُكوّنات النظام السابق، لكن المؤتمر الوطني انتهج نهجاً مُتعقِّلاً ورد على لسان رئيسه البروفيسور إبراهيم غندور أنهم سيكونون معارضة مساندة، أي داعمة للصحيح من البرامج والسياسات، ومُتحفّظة على ما لا ترتضيه من قرارات، ولم يتحدّث غندور مطلقاً عن مُنازلة ومحاولة إسقاط السلطة الجديدة رغم وجود ألف سبب وسبب للإجهاز عليها.
لم يسلم غندور بهذا التوجُّه المُتعقِّل من هجوم عليه واعتراضات داخل صفوف حزبه ترفض هذا النهج المُنتَهج.
الشيء الآخر، أن الجهات الأخرى المُعارِضة لحكومة حمدوك وقفت على الرصيف تتفرج على أداء الحكومة، وتُراقب، واكتفت بانتقاد التعيينات والإعفاءات والإقالات وهو المُنجَز الوحيد للحكومة وأولويتها القصوى والعاجِلة وكل برنامجها الإسعافي. لم تُسفِر مجموعات المعارضة للحكم القائم عن كامل وجهِها عن الكيفية التي تريد بها إسقاط الحكومة وإعاقة مسارها، ولم تُستَنفِر هذه المجموعات ولا المؤتمر الوطني عضويته وتوجيهها لتحقيق المرام، الكل اكتفى بموقع النظارة، وهم يُشاهدون ما يجري على المسرح السياسي التنفيذي، لا صفّقوا للحكومة راضين ولا صفّروا لها مُستنكرين، فقط يتفرّجون على مسرح اللامعقول السياسي. فلماذا يسعى السيد رئيس الوزراء لتأكيد ما لا يُوجَد؟ فلا المؤتمر الوطني منشغل بتعطِيل حكومته وتكبيلها ووضع العقبات عمداً أمام ساقيها، ولا الآخرون من غُلاة مُعارِضيها استلّوا سيوفهم ورماحهم لطعنِها في كل مقتل، وما أكثر مَقاتِل الحكومة.
تتوفَّر لرئيس الوزراء فرصٌ كثيرة لا تأتي مَرّتين، فعليه أن يتعامل مع الأوضاع في البلاد كرجل دولة، فكثيرٌ من قراراته التي يتخذها تزيد من الاحتقان السياسي وتوفِّر بيئة صالحة لاشتداد غلواء العمل المعارِض، وبطء الحكومة في معالجة الأحوال المعيشية ومشكلة المواصلات وارتفاع سعر صرف الجنيه وبقية المُعضِلات الاقتصادية، ستُضاعف من نقمة المواطن وتُفقِده الثّقةَ وتتحوّل إلى حطب وزيت يُصَبُّ على النار التي بدأ لهيبها يعلو، فإن انشغل بالأجندة السياسية وتصفية الخصوم والغرق في القضايا الخلافية وليس وراءها طائل، ستسقط حكومته وحدها دون الحاجة إلى عقبات وعوائق..!