واهم من ظن يوماً ان للجمهوريين ديناً.. وفكرة أن يتم استدعاؤهم بعد دعمهم وتمويلهم لمجالدة الإسلام السياسي، فكرة ولدت ميتة ولا تساوي ثمن تذاكر السفر التي ابتيعت لها.. الجمهوريون الآن في (الميدان) بعد غيبة من مراكز الفعل والقرار الظاهر.. (يكربون قاشهم) لمواجهة جماهير الشعب السوداني وما تؤمن به.. تلك الجماهير التي منها من يعاقر (المرايس) ولكن لا يرضي أن يمس قرآنه المدني.. ولا يرضى القول بنقصان الرسالة.. ولا يقبل أن (هالك) من (الكوفة أو الحصاحيصا) تمتطي جرأته على الدين فجاء ليكمل تلك الرسالة المحمدية فيسد فجواتها ويزيل تشوهاتها!!
الأنظمة السياسية التي احتضنت ورعت أفكاراً (مخنوقة) بغرض مجالدة خصومها خطت على (شريحة) (حمضها النووي) بذور فنائها، وأهالت على نفسها ركاماً من العطن والدمادل والبثور التي لن يجدي معها (مكياج الأصم) ولا (مراسيم البرهان).
الدولة التي تعترف في (وثيقتيها الدستوريتين) بالتباين, لا ينبغي لها أن تلتزم زخرفاً أحادياً من القول، فيجالسها في مطبخها وردهاتها والمنابر له الرأي والفعل, حتى إذا ما أتى (غليان الأفكار) ارتد عنا وهو كظيم ..
تلك المسافة الفاصلة ضرورية لإغناء حراك المجتمع وإثراء حواره الوطني بلا تشككات أو ريب..
(محنة خلق القرآن) كانت من الابتلاءات العظيمة التي واجهت الأمة الإسلامية.. ولم تكن لتصبح محنة وابتلاء إلا بعد تدخل الدولة، لينقل الخليفة (المامون) ذلك الصراع من ميدانه المجتمعي الفسيح إلى ضيق السلطة وأضابيرها المتعسفة، كانت معركة فكرية في إطارها العام، ولكن في جوهرها ومضمونها كانت معركة سياسية من حيث حق السلطة في الاعتقاد واعتناق ما تراه من أفكار وآراء وجبر المجتمع على التسليم دون أي حق للمجتمع في الاعتراض أو التحفظ .. المامون أقال كل رأي مخالف من كل الوظائف العامة بما فيها القضاء!! وفتك بالعلماء فنال من الأمة من الضرر وصنوف العذاب والثبور ما نال، إلى أن انجلت المعركة غير المتكافئة بانتصار لاحق وساحق لصالح المجتمع علي الدولة، وكذا أي معركة تحاول الدولة فيها استلاب منابر المجتمع وتجييرها لصالحها.
وهو ذات المجتمع الذي استطاع أن يحافظ على ثقافته وبيضته ضد المغول والتتار بعد أن انهارت الدولة وتكسرت الجيوش..
مهمة الدولة ومهنتها هي المحافظة على ما وصلها من نسيج مجتمعي وتقاليد وأعراف.. وهي الحامي للأطر الأخلاقية التي يجمع عليها الناس… حتى إذا ما تحرشت الدولة بذلك النسيج والإطار سقطت مشروعيتها (وحدث ما حدث)..
لا نتصور أن الدولة-أية دولة- ترسل ترسانتها للتضامن ضد الفضائل، لصالح الفوضى واجتياح منصات التماسك وممسكاته في المجتمع.. أي نصر في هذا (المنهمك) هو نصر زائف وضئيل ومبتذل مثله والصراخ و(التأوّه) لمراوغة بارعة للاعب كرة القدم بينما فريقك وفريقه مهزوم 7/ صفر !!
ذات المراوغة ولأنها في نصف ملعبكم ستنتهي بالنتيجة إلى 8/صفر و(الحسابة بتحسب).
الأهداف التي وثب من أجل تحقيقها شباب الثورة ليست في (بشة) الحكومة، وبواكير منتوجها لا يبشر بخير أبدًا.
قاد الرئيس (فلادمبر بوتين) معركة بالغة الشراسة ضد الغربيين حماية لمجتمعه .. متهماً مروجي أفكار (التحرر الجنسي) بأنهم أشخاص “عدائيون يفرضون وجهات نظرهم على الأغلبية الساحقة”.
وهي معركة أرست من احترام بوتين وإعادته بطلاً قومياً..
الدولة في مجال المعتقدات والأخلاق لا تسبح عكس التيار.. ولا تخوض معركة (بالوكالة) عن جهات ما و(للوكادة)على جهات ما..
ومثلما دعا الناس الدولة للخروج من مجال الاقتصاد و(النقار السياسي)، فإنها مدعوة على نحو ملحاح لترك الناس وما يؤمنون، وإلا فلن تجد سوى محمد صالح وهو بهتف ساخراً وساخطا:ً
(يا حمدوك.. إيه اللي دخلك في الحسكنيت دا؟؟!).