أیقونة شعبیة !..

“شخصیة المرء ھي قدره” .. ھرقلیطس ..!

قد تظنون بي المبالغة ولكن!. دعونا نتأمل جلسة السوداني – حاكمًا ومحكوماً – في مختلف المحافل الدولیة. حینھا سنلاحظ كم أن ثقافة الاسترخاء والاتكاء ھي أیقونة شعبنا السلوكیة التي تنسحب على رؤیته القومیة لمفھوم العمل والحركة والإنجاز..! 

معظم المفكرین ودعاة الإصلاح أرجعوا الكثیر من المشكلات القومیة في بلادھم – والتي كان لھا تأثیر ظاھر على إنتاج شعوبھم ومكانتھا العالمیة وفرادتھا الإقلیمیة – إلى طبائع الفرد!.. 

ماكس فریش – مثلاً – تناول حسن النیة اللامبالي كسبب یلقى الناس حتفھم من ورائه ویقتلون بعضھم بعضًا بسببه، دون أن یلحظوا ذلك، ورمز له بالبنزین !.. 

دیرنمات – أیضاً – ذھب إلى أن مشكلة الشعب السویسري تكمن في حیاده الأناني الذي أودى به إلى الجمود والعزلة، ورمز له باللون الرمادي. بینما لخَّص فانس باكار مشكلة الشعب الأمریكي في الاستھلاك. فالسواد الأعظم من شعبه تحولوا إلى مستھلكین وبالتالي ضحایا لوسائل الإعلام. حیث تقوم الشركات الكبرى باستخدام الإذاعة والتلفاز للترویج للسلع. وقد رمز باكار لذلك النمط الاستھلاكي بالسیارة ..! 

وعلیه إذا ما حاولنا تشييء مشكلات الشعوب على طریقة بعض المفكرین، یمكننا أن نقول بالآتي: مشكلة اللامبالاة في العالم الأول رمزھا جالون بنزین، ومشكلة الاستھلاك السلبي في أمریكا رمزھا سیارة، ومشكلة الحیاد الأناني في سویسرا رمزھا بقعة لون رمادي. بینما مشكلة البطء والتقاعس في السودان رمزھا سریر !.. 

لیس المقصود من ذلك تأكید تھمة الكسل – أسوة باتھامات الخلیجیین، لا سمح الله – بل التأكید على انتشار داء التقاعس وانعدام حیویة الحضور، وشیوع ثقافة الخمول والاسترخاء كملامح تغلب على سمت الشخصیة السودانیة وإن كانت منھمكة في أكثر الأعمال تركیزاً ومشقة ..! 

الاتكاء أو الرقاد على الكراسي، مَسلكٌ شائع یتَفنّن “الجلیس” السوداني في إتیانه بمھارة لا تخلو من طرافة. فساستنا وحدھم الذین یتململون ویتقلبون فوق الكراسي في المحافل والمؤتمرات الدولیة، وھم أكثر الذین یتثاءبون في أثناء خطب نظرائھم، تجدھم دائماً وأبداً في ظلال على الأرائك متكئين ..! 

حتى في مجالس ضیافتنا نحن نفضل الاسترخاء – على”السرایر” – على ثقافة الاستواء على الكراسي. ذلك أننا شعب یعشق الاتكاء – وفي روایة الرقاد – وحتى الیوم ھنالك مفھوم شائع مفاده أن أكثر الناس كرماً وبشاشة ھو الذي یفرش صالون ضیافة منزله بالسرایر 

الوثیرة، ولیس مقاعد الجلوس “على الطریقة العصریة” ..! 

الاتكاء والاسترخاء – أوحتى الرقاد – كأوضاع مریحة وماتعة، لا غبار علیھا، بل ھي مما كافأ به الله عباده المؤمنین في الجنة (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ). ولكن لو كان الاتكاء من الأوضاع المسلم بإتیانھا ـ في جلسات العمل – من المؤتمرات إلى الاجتماعات إلى اللقاءات التلفزیونیة لما ذُكر في القرآن، ولما اعتُبِر من نعیم الجنة ..! 

وفقاً لما ذكر وبناء علیه، ما رأیكم في مقترح یقضي بوجوب إضافة أدب الجلوس، وأوضاع المجالس، إلى مناھجنا الدراسیة ..؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى