بدأت مفاوضات السلام بين الحكومة والحركة الشعبية في عاصمة دولة جنوب السودان يوم الرابع عشر من أكتوبر الجاري، وتم التوقيع على إعلان المبادئ يوم الجمعة. ومضت المفاوضات عبر مسارين ومنبر واحد مختلفين، مسار الحركة الشعبية، وآخر للجبهة الثورية، واقتربت المفاوضات من الوصول لاتفاق سلام يضع حداً لصراع تطاول بعد أن لبت نتائج التفاوض حتى الآن انشغالات الحكومة المركزية والحركات المسلحة.
ولكن عملية السلام ليست صفقة بين نخب المركز وقوى الكفاح المسلح وحدهما كما يعتقد البعض توهماً، إنما السلام يرتبط كفعل تعاقدي بين مكونات المجتمع، وعندما أغفل إعلان المبادئ الذي وقعته الحكومة مع الحركات المسلحة عن المجتمعات المحلية وورد نص صريح عن تعويض المتضررين من حرب النظام السابق، أثار النص جدلاً ورفضاً واسعاً باعتبار أن الحرب هي التي أوقعت الضرر بالضحايا وليس النظام السابق وحده ، وقد التزمت الحكومة بتعويض الضحايا، ولكن من طرفاً واحداً وهم ضحايا النظام السابق والصحيح ضحايا الحرب التي دارت بين الأطراف، وهناك آلاف الضحايا لهجوم الحركات المسلحة على المواطنين.
وعلى ذات الخطى تمضي مفاوضات جوبا الحالية بتغييب ما يعرف بأهل المصلحة في السلام أو المجتمعات المحلية التي لا صوت لها في وفد الحكومة بصفة خاصة، لأن وفد الحركة الشعبية أكثر شمولاً من الوفد الحكومي الذي لم يتسع لتمثيل المجموعات السكانية المحلية التي يفترض أن يمثلها .
الحركة الشعبية جاءت بممثلين لما يعرف بالمناطق المحررة والإدارات الأهلية في تلك المناطق، ويعكس تشكيل الوفد المفاوض من الحركة الشعبية خاصة قطاع الشمال التي يقودها مالك عقار تنوعاً في التمثيل، بينما الوفد الحكومي تم حصره في أعضاء مجلس السيادة من نخب بحري والخرطوم وأم درمان باستثناء الفريق حميدتي والفريق شمس الدين كباشي الذي يمثل عمق القوات المسلحة وليس المجتمعات المحلية.
ورغم وجود رئيس مفوضية السلام البروفيسور سليمان الدبيلو، وهو اختيار وجد ارتياحاً كبيراً في حزام السافنا إلا أن ذلك لا يعني أن هؤلاء يمثلون مصالح المجتمعات المحلية ويعبرون عنها ووجودهم ومشاركتهم لا يضمن تنفيذ اتفاق السلام المنتظر توقيعه.
وقد شهدت ولاية غرب كردفان الأسبوع الماضي احتجاجات ووقفة من قبل مجاهدي قوات الدفاع الشعبي لشعورهم بغيابهم عن التسوية التي تجري عملية (طبخها) في جوبا بعيداً عنهم، وفي ذات الوقت هناك تملمُل في جنوب وشمال كردفان خوفاً من توقيع اتفاقية سلام تفتح أبواب الجحيم على المنطقة برمتها وتعيد إشعال الحرب مرة أخرى.
وهناك قضايا ترتبط بحقوق السكان سواء كانت حقوقاً أصيلة أو حقوقاً مكتسبة إذا لم يراعى جيدًا مخاطبة أصحابها، فإن السلام قد يتم توقيعه فوقياً، ويُغنّى له في كل مكان، لكنه لا يصمد إلا بضعة شهور ويتجدد النزاع مرة أخرى.
* وقضايا مثل ملكية الأرض هل للمجتمع أم للمجتمع انتفاعاً وللدولة حكراً، وهو ما عرف في الأدب السياسي الدارفوري بقضية الحواكير التي أجهضت مفاوضات أبوجا وجعلت عبد الواحد محمد نور ينفصل عن مناوي كيف التعامل معها؟ وقضية الاستيعاب العسكري لقوات الحركات المسلحة وتسريح مقابلها من قوات الدفاع الشعبي ؟مثل هذه القضايا تتطلب إشراك المجتمعات المحلية ممثلة في النظام الأهلي ولجان المجتمع والأحزاب السياسية وليت المفاوض الحكومي يتعلم من تجربة نيفاشا وآثارها الكارثية عندما غيّب أهل المصلحة وأناب عنهم مثقفي المركز والنخبة المتنفذة في السلطة، وما قضية أبيي إلا ثمرة مُرّة لهذا التغييب المعيب.