الخرطوم: عبد الله عبد الرحيم
ارتبط يوم 21 أكتوبر في التاريخ السُّوداني بقيام أول ثورة جماهيرية سودانية في العام 1964 ضد نظام الرئيس الراحل إبراهيم عبود، وقد نجحت الثورة في الإطاحة بالنظام العسكري كأول انتفاضةٍ ضد نظام حكم وطني، مِمّا مهّدها لتكون شعاراً ورمزية ما زال السودانيون رغم قِدمها يقيمون الاحتفالات لإحيائها.
وتأتي ذكرى 21 أكتوبر هذه الأيام في أجواءٍ مُختلطةٍ بعد نجاح الثورة التي أطاحت بحكم الرئيس السابق المُشير عمر البشير كثالث نظامٍ عسكري يجد نهايته بقيام ثورة شعبية بعد نظام المُشير جعفر النميري في العام 1985. ولكن الدعوة لإحياء هذه المسيرة اِختلطت فيها المفاهيم بين داعتها، فبينما يراها بَعضهم بأنّها تأتي للتذكير بقوة وإرادة الشعب في التغيير وفي حمايته لمُكتسباته، يراها البعض الآخر بأنّها دعوةٌ للانقضاض على الحكومة التي جاءت بها الثورة.. وبين هاتين الدعوتين صارت المسيرة المنظورة الاثنين المقبل وأمرها بين النجاح والفشل، بعد أن أبدى دعاتها من التيارات السياسية المُختلفة “ضد الثورة ومع الثورة” تمسّك كل منهم بنظرته للأمر. وقد وضع البيان الذي أصدره التجمع الاتحادي المُعارض، المليونية بأنّها تَشكيكٌ في حكومة الثورة في ظِل الرّغبة العَارِمَة للباقين من الثُّوّار الذين يرون أنّ انتفاضة 21 أكتوبر كانت بمثابة الدافع لنجاح ثورة ديسمبر الأخيرة، ولذلك فهي تأتي للربط بين الثورتين العظيمتين وإحيائها عقب ذهاب حكم البشير والتعضيد على إنجاح مَطالب الثورة. فيما تجد المليونية تأييداً كبيراً من تجمُّع المهنيين والحزب الشيوعي السوداني، ومن لجان العمل الميداني بالحرية والتغيير، في الوقت الذي ظهر فيه أيضاً بعض الدعوات من الإسلاميين مثل دعوة عمار السجاد ودعوة شباب المؤتمر الشعبي الذين طالبوا بتغيير وجهة المليونية من مجلس الوزراء حسب دعوة المهنيين إلى القيادة العامة للقوات المسلحة، بيد أن الحزب أصدر بياناً أعلن فيه موقفه الرافض لهذه الدعوة، وأهاب فيه بعضويته بعدم الخُرُوج في المليونية.
مُعارضة الاتحادي
رغم أنّ التجمُّع الاتحادي المُعارض هو أحد مُكوِّنات الحُرية والتّغيير صاحبة الدعوة للمليونية، إلا أنّ إعلانه مُقاطعة الخروج في مليونية 21 أكتوبر الجاري بعد غدٍ، حَرّكَ الكثير من الاِستفاهمات الدائرة حول هذه المليونية، ولكنّ التجمُّع كَانَ يَرَى أنّ قيام هذه المليونية وإنجاحها بالطعن في حكومة الثورة والتشكيك فيها، ويرى بأن عناصر النظام السابق ظلوا يقفون بقوة خلف هذه المسيرة، وقال التجمُّع في بيانه إنّ مليونية 21 أكتوبر لا تهدف للاحتفال بثورة أكتوبر، وإنّما تَسعى إلى خَلق بلبلةٍ في أوساط الجماهير والتشكيك في الحكومة الانتقالية برئاسة حمدوك ودق إسفين في وحدة الصف الثوري، بيد أنّ موقف الحزب الشيوعي وهو أحد مُكوِّنات الحرية والتغيير يرى بأنّ أهداف المليونية تكمن في استكمال مُقرّرات وشعارات الثورة التي انطلقت وللتحقيق في فَض الاعتصام بطريقة مُجدية عبر لجنة مستقلة وبعض المُطالبات التي تتعلّق بالسيادة الوطنية حسب رؤاه.
صاحب المليونية
ومن خلال التشكيك المُستمر حَول مَن يقف خلف دعوة المليونية، ضَجّت مواقع التّواصُل الاجتماعي بالإشارة إلى أن الناشط السياسي عبد الله جعفر هو أول من دعا لإقامة المليونيات السابقة، وهو أول من دعا لمليونية 21 أكتوبر أيضاً، ولم ينكر عبد الله جعفر هذا الادّعاء، بل أردفه بدعوة مُسَجّلة عبر “فيسبوك” بأنّه طالب بإقامة هذه الدعوة حفاظاً على مُكتسبات الثورة التي تَحَقّقت وكان للشباب دورٌ كبيرٌ فيها، وقال إنّ كل الشباب المُتابعين للوسائط الاجتماعية يدركون هذه المعلومة، ودافع ناشطون سياسيون عن عبد الله جعفر، مؤكدين بأنه صاحب الدعوة.. يأتي هذا في ظل التشكيك والتخويف الذي ظلّت تُمارسه بعض قِوى الحُرية والتّغيير من أنّ أعضاء النظام البائد من شأنهم اختطاف هذه السانحة والعمل على تحويلها لعمل مُضادٍ للحكومة الراهنة.
موقف السجاد
بينما يقول القيادي الإسلامي المعروف عمار السجاد، إنّه من المُبادرين لإطلاق دَعوة مَليونية 21 أكتوبر، وكان قد بكّر في الدعوة للخروج إلى الشارع رفضاً لحكومة الرئيس البشير، ويُذكر أنّ السجاد الذي ذَهَب للتعافي بدولة خارجية كان قد أُصيب خلال مواكب ثورة ديسمبر الحالية، ورغم مَواقفه الرافضة لحكم البشير، إلا أنّ وصفته الإسلامية جعلته رجلاً مُعادياً لعلمانية قِوى الحُرية والتّغيير، وبالتالي يظل السجاد أحد المرفوضين والمُحذّر من الاقتراب إليهم وسط قيادات تجمُّع المهنيين.