في دراسة مقارنة للسلوك السياسي والإعلامي والتنظيمي لمجموعة قوى إعلان الحرية والتغيير التي وجدَت نفسها تُمسك بمِقوَد إدارة البلاد وتتحكم في شؤونها، لم نجد من مقاربة تصلُح للفحص والتحقّق من خصائص سلوك ونهج هذا التنظيم السياسي الهلامي الشكل، إلا خصائص الحيوانات اللافقارية، فالحرية والتغيير تحالُفٌ سياسي لا يرتبط بهياكل تنظيمية ومؤسسات داخلية تجعله مُتماسِكاً وتكون بمثابة عمود فقري له، كما أنه تحالف لا يملك دماغاً واحداً مُتطوّراً وفاعِلاً، إنما جُزيئات أدمغة لا ترتبط بجهاز عصبي مُتكامِل يُنسّق الحركة وينقلها، ويعمل مع الدماغ على إنتاج الفكر والمواقف ويُحدّد التقديرات السياسية ومواقيت اتخاذ القرار وحساب آثاره، ويتحرّك هذا التحالف بطريقة التحفيز الخارجي في حركة بغير اتجاه غير ذاتية التوجيه، يتجمّع ويتمحوَر حول نفسه في ساعة الخطر بطريقة غريزية ويندفع في غير تناسُق وضبط عند البحث عن مطعم ومطمع مع وجود مُنبّهات خارجية، ولا يستفيد من أخطائه، كما أنه يضم كائنات سياسية صغيرة لا تُرَى بالعين المجردة بعضها منقسمٌ على نفسه مُكوّناً شظاياه التي تحمل أسماء متقارِبة وكلّها من نواة واحدة.
من خصائص الكائنات اللافقارية أنها متعددة الخلايا ذات تعقيد تنظيمي غير مُتّسق غريزي الحركة يتحكّم فيه الخوف وردة الفعل والبحث عن البقاء والغذاء، هلامية الأجسام تنقسم طولياً وعرضياً وربما تنشطر وبعضها يتماثَل ويتشابَه وبعضها يتماثَل شُعاعياً، بعضها اسطواني الجسم، وبعضها يتكوّن من تجويف جسماني، لا تستطيع اللافقاريات التحكّم في اتجاه الحركة لامتلاكها جهازاً عصبياً بسيطاً، ولا تمتلك عموداً فقرياً للتماسُك الهيكلي، ولا جهازاً هضمياً، إذ تعتمد على أنبوب هضمي له فتحة واحدة للأكل وإخراج الفضلات، وتعتمد كل أنواع اللافقارات على طُرِق مُتشابهة في التعامُل مع محيطها والبيئات التي تعيش فيها، وكيفية مواجهة الأخطار أو في حالة انتهاز الفرص واغتنامها، وفي التكاثُر والتوالُد، ولا تستطيع هذه الكائنات المتآلفة أن تعيش لوحدها، فجميعها وبمختلف أنواعها تبني مستعمرات للعيش والتناصر والتوحّد في مواجهة الظروف من حولها، وفي الغالب لا تعتمد الواحدة منها على نفسها دون الآخرين.
عند الشعور بالخطر تُبادر اللافقارات إما بالتجمُّع والتكوُّر أو الاختباء، أو تبدأ في استخدام أقصى ما عندها لإخافة ما يُهددها باستخدام العيون المُلوّنة أو الأجسام القِشرية المُركّبة والرفس بالأرجل أو غرس الزوائد الشوكية أو استخدام الأطراف السوطية واللسع وإفراز السموم واستخدام الممصات مثل الأخطبوبات وبعض الأنواع البحرية والمائية .
التشابُه بين هذه الكائنات الأولية اللافقارية والكيانات السياسية مثل الحرية والتغيير، أن هنالك خصائص مُتماثِلة ومُتشابِهة، فالحرية والتغيير حتى الآن تُعتبر تنظيماً لمجموعات سياسية لا تستطيع إلا أن تعيش في تحالُفها مع بعضها البعض، لصغر الحجم والتأثير والاستقباح الذي تواجهه من الناس خاصة الأحزاب اليسارية والحزب الجمهوري، وهي كيانات لا تجد تأييداً واسعاً وليست لديها قُدرة على التعبير وحدها عن أفكارها ومواجهة الجمهور وتاريخها يشير إلى ذلك.
وتلتقي الحرية والتغيير في مقاربتها باللافقاريات، أنها تتميز باضطراب سياسي وتعجُّل في اتخاذ القرارات دون النظر إلى ما يترتّب عليها من نتائج وخيمة تعود عليها بالضرر في نهاية الأمر، مثل مواقف حكومتها الحالية من الدين الإسلامي ومحاربتها للقيم والأخلاق وتحفُّزها لمُهاجمة الأعراف والتقاليد وضوابط السلوك الإنساني وصون المجتمع وإبعاده من مُنزلقات التفسُّخ والتردِّي الأخلاقي الذي ظهرت مطالعه، تحت دعاوى الحرية الشخصية وتحرير المرأة وغيرها من الترهات التي ضاق بها حتى أهلها في الغرب الذي جاء منه أكثر الوزراء الحاليين الذين لا عرفوا الغرب جيداً فسلكوا سلوك المُنتفِع من جيّده، و لا عافوا وتركوا رديئه.
تتحرك قوى الحرية والتغيير بشكل غريزي طائش في محاربتها لخصومها، دون التريُّث ومعرفة أين تضع أقدامها، فهي في حالة خوف دائم من ما يُسمّى بالدولة العميقة والنظام السابق، وتحسب أن كل صيحة عليها، فتأتي بأفعالها وقراراتها جملة واحدة ولا تعرف أبسط قواعد الدهائيات في فنون الحكم، ولأنها كيان غير مُتماسك تنظيمياً بلا عمود فقري، تنتهج نهج التحرّك الأميبي واتخاذ الشكل المناسب لظرفه، والأقدام الكاذبة والتمحوُر الجمعي، وتستخدم الترهيب الإعلامي للخصوم والدعاية السوداء وإطلاق الأكاذيب والشائعات والصراخ العالي، مثلما تستخدم بعض اللافقاريات العيون المُلّونة والجلد الشوكي والغازات المنتنة واللسعات السامة وإصدار الأصوات والطنين المُزعِج لإبعاد الخصوم وترهيبهم.