من المؤسف جداً أن يوجد في مجتمعنا الكهان والدجالون، يضحكون على عقول الناس، ويأخذون أموال البسطاء والسذج، يسطون على أموالهم بمكر وخداع، فيطلبون الطلبات ممن يأتونهم، بدءاً بالدجاجة والخروف إلى الذهب والمجوهرات ونفائس الأموال والعقارات كقطع الأراضي والفلل والعمارات!! يستغلون حاجتهم وجهلهم ويطلبون منهم أن يعطوهم أموالهم وهو ما يسمى بــ (البياض).
والبياض (خشم بيوت) كما يقال!!
فقد يكون (البياض) بالعملة المحليّة وقد يكون البياض بالعملات العالمية كاليورو والاسترليني والدولار والريال والدرهم!!
فعلى حسب الزبائن وإمكانياتهم تكون (المَكْنَة) منهم،
فقد يكون البياض مائة جنيه وقد يكون خمسمائة !!
وقد يكون مليوناً أو ثلاثين أو أربعين!!
وقد يكون قطعة أرض، أو شقة، أو سيارة، وقد يكون عمارة !!
والمؤسف حقاً أن يأتي إلى هؤلاء الدجالين أشخاصٌ لهم نصيب من العلم الدنيوي أو الشهادات الأكاديمية والوظائف الكبيرة!!
وقد تأتيهم مؤسسات وشركات ومجالس إدارات!!
وإدارات أندية !! وغيرهم..
يطلبون منهم معرفة المغيبات وإخبارهم بما سيكون!! أو المساعدة في أمر من الأمور مما لا يقدر عليه إلا الله الخالق وحده، وقد تكون حجة بعضهم: أن هذا الشيخ أخباره صحيحة، وقد أخبر قبل هذا بالشيء الفلاني فوقع كما قال، فهذا هو مبلغهم من العلم !! فتجدهم يصفونه بعبارات مثل (شيخ كارب أو فكي مكرّب) (فكي كلامو ما بجلي).. وغير ذلك.
ولهؤلاء المغشوشين المخدوعين أسوق هذا الحديث :عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْكُهَّانَ كَانُوا يُحَدِّثُونَنَا بِالشَّىْءِ فَنَجِدُهُ حَقًّا قَالَ : (تِلْكَ الْكَلِمَةُ الْحَقُّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّىُّ فَيَقْذِفُهَا فِى أُذُنِ وَلِيِّهِ وَيَزِيدُ فِيهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ) رواه مسلم، فهذا خبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام وفيه أن الجني يجتهد لأن يسترق السمع قبل أن يتبعه الشهاب الثاقب، فيخطف الكلمة ثم يلقيها على قرينه الدجال العرّاف فيكذب معها مائة كذبة، وكثير الكذب هو الذي يوصف بالدجّال.
إن الواقع المحزن المؤسف يشير إلى تزايد هذه الظاهرة، والحكم الشرعي في من يدّعي معرفة الغيب معلوم غير مجهول، فالحكم في (الودّاعين) و(الودّاعيّات) ومن ساروا على طريقتهم من (ضاربي الرمل والحصى) وغيرهم معلوم معروف.
مؤسف جداً أن تجد (الكهانة والعرافة والدجل والشعوذة والسحر) .. سوقاً رائجة في مجتمعنا ومجتمعات أخرى كثيرة، يدفع فيها كثير من الناس أموالاً يعطونها لمن يدعون معرفة المغيبات، ويتكهنون لهم بأخبار مستقبلية، أو يعدونهم بأفعال معينة، وللأسف فإن الدجالين والمشعوذين والكهان والسحرة لهم وجود في المجتمع وبكثرة، بل بعضهم لا يستحي من الله ثم لا يستحي من الخلق فيجهر بذلك ويجاهر به وقد يغتر بإمهال الله تعالى له فتراهم يمارسون دجلهم وكذبهم على مرأى ومسمع من المجتمع بمختلف أطيافه… لكن غاب عنهم ما ثبت في صحيح الإمام البخاري رحمه الله عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ قَالَ ثُمَّ قَرَأَ [وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ]).
إن صور هذه الجريمة التي تمارس في مجتمعنا كثيرة جداً، منها ضرب الرمل و(خت أو رمي الودع) و(التنجيم) وهو الاستدلال بالحوادث الكونية على الأحوال الأرضية، فيقول من يوم كذا إلى يوم كذا أو ساعة كذا لا تفعلوا الأمر الفلاني أو افعلوه ، و(قراءة الفنجان) و(قراءة الكف) و(الأبراج) التي تتناقلها بعض الصحف .. ومما يفعله السحرة والدّجّالون أن يأتي الشخص – رجلاً كان أم امرأة – إليهم ويطلب منهم أن يفعلوا له أمراً محدداً، كالإتيان بزوج، أو رد الضالة، أو الانتصار في المباراة، وهزيمة الخصم، أو الصرف أو العطف، والسحر دركٌ أشد سفلاً من درك الكهانة والعرافة، فالكاهن يدعي المغيبات ويخبر بها، والساحر يصنع السحر، ينفث في العقد ويستعين بالجن فيمرض ويقتل ويفرق بين الأخ وأخيه والمرأة وزوجها بإذن الله وإرادته الكونية القدرية، ولذلك كان حكم الساحر القتل مقابل إفساده وتدميره في المجتمع.
ويزداد الأسف عندما نجد بعض وسائل الإعلام ترسخ هذه (الجريمة) في أذهان الناس وتسوقها وكأنها عمل صحيح أو فعل حسن فترسخ لدى الناشئة والكبار، فينشر عبر أثير الإذاعة والتلفاز ويغني المغنون (أندب حظي يا رمالي … وشوف الخيرة يا رمالي)!! و(ست الودع أرمي الودع لي كشكشي … وكان فيه شيء قوليهو لي وما تختشي)!! وغير ذلك .. والواجب على وسائل الإعلام أن تؤدي رسالتها في الإصلاح، وأن تحرص على الإسهام في إغلاق أبواب الشر وتقليله لا المساعدة في زيادته، والشر والفساد في هذه الجريمة عقدي وأخلاقي وأمني واجتماعي ومالي.. كما لا يخفى على عامة الناس قبل علمائهم..
إن الضرر الديني واضح ومَن مِن الناس لم يسمع بالحديث الصحيح أن (من أتى كاهناً فصدقه بما قال فقد كفر بما أنزل على محمد ..) والرواية الأخرى والتي معناها أنه إن أتاه إلا أنه لم يصدقه فإن عقوبته أن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً..
والضرر الديني أيضاً يتضح في رد ما دل عليه كتاب الله تعالى في منطوقه الصريح، وفي هذا خطر عظيم فقد قال الله تعالى : (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ).
وأما السحرة فإن لهم السوق الرائجة في مجتمعنا في الفترة الأخيرة حتى حصل فساد كبير وأذى عظيم، والأمر يتفاقم بمرور الأيام بما يوجب التعاون الجاد والكبير من أطياف المجتمع المتنوعة مع الجهات المختصة خاصة شرطة أمن المجتمع، فإن غزو السحرة للمجتمع هو الغزو الأكبر والضرر الأخطر فلنقم بما يجب علينا ولنقم بالتوعية المناسبة كماً وكيفاً كفانا الله شرّهم وأخزاهم وقطع دابرهم.