> واضحٌ أن ثماراً هناك، ستتدلى من شجرة السياسات المالية والنقدية التي اعتمدها مجلس الوزراء مؤخراً، وبدأت الحكومة وبنك السودان في تطبيقها مع إجراءات أخرى لمحاصرة السوق الموازي وتحديد سعر الصرف وتوفير القدر المطلوب من السيولة النقدية وضبط الأسعار وتشجيع الإنتاج وجذب مدخرات الغتربين. ويعتمد نجاح هذه الإجراءات بشكل أساسي على جدوى المعالجات الاقتصادية ورسم السياسات الصحيحة وليس الإجراءات الاحترازية والضوابط التحكمية السابقة، ومن هذه المعالجات ما يجتهد فيه رئيس الوزراء وحكومته في تمتين العلاقة مع القطاع الخاص. فأية شراكة اقتصادية فاعلة وناجحة كما يقول بعض الخبراء الاقتصاديين ومنهم الدكتور محمد الناير، تقوم بين القطاعين العام والخاص، ويوضع قانون لهذه الشراكة بين الدولة ورجال المال والأعمال وإشراكهم في المشروعات الضخمة، مثل البني التحتية والطاقة والخدمات وبقية أنواع التجارة، ستكون ذات أثر فعال لانتشال الاقتصاد الوطني وأخراجه الى بر الأمان .
> ثمة إجراءات ضرورية لابد للحكومة أن تشرع فيها فوراً، فكلما زادت الثقة بين الحكومة وهي تنفذ وتطبق برامجها وسياساتها الحالية خاصة المتعلقة بسعر الصرف والقطاع الخاص واستمعت إليه، كلما وجدت أن الطريق سالك لمنع التراجع والتقاعس الذي ظل يلازم القطاع الخاص خلال الفترات الماضية، فالسياسية الصحيحة والتطبيق الجيد لها، يوفر المناخ الإيجابي لهذه الثقة، ويتدخل التجار من موردين ومصدرين بإسهام حقيقي في تحسين الوضع الاقتصادي مثل تحمل الموردين خفض نسبة أرباحهم في بعض السلع لأن الأرباح التي يحققونها الآن عالية جداً وبعضها غير واقعي. وقد فعل ذلك القطاع الخاص في بعض البلدان التي مرت بصعوبات اقتصادية وتجاوزتها بمثل هذا النوع من التعاون، وتوجد ملامح إيجابية تتعلق بسياسة الاستيراد، إذا صح أن الدولة تتجه الى خفض سعر الدولار الجمركي الى 12 او 10 جنيهات مقابل الدولار، وفي ذات الاتجاه يعمل المصدرون على سرعة توريد وإرجاع حصائل الصادر للبنوك لتبدأ دورتها في التدوير ولتوفير العملة الصعبة وهذا يسهم بشكل كبير في ارتفاع سعر صرف العملة الوطنية ويقلل من شح النقد الأجنبي .
> ولذا يتوجب على الحكومة أن تعمل بجد مع القطاع الخاص وتعطيه بعض الثقة، وعلى القطاع الخاص أن يتعامل بمصداقية أكبر ويلتزم بما عليه من واجبات ما دام سيكون شريكاً في القرار الاقتصادي والهم الوطني، فأي تراجع من القطاع الخاص أو عدم التزام او التفاف على هذه السياسات سيؤدي الى فشلها وستحل الكارثة وستشرع الحكومة فوراً في القبضة الحديدية التي ذكرها السيد رئيس الوزراء في اللقاء مع رجال المال والأعمال مساء أول من أمس، وهي تعني دخول الدولة الى السوق بالكامل وقيامها بكل عمليات الاستيراد وفرض القيود الاقتصادية من جديد وإنهاء وقبر وطمر سياسة التحرير، فهذا اذا حدث سيكون تراجعاً للوراء، وربما خطْباً جللاً على الاقتصاد الوطني .
> لا تزال الفرص مواتية وقائمة، فالترافق والتزامن بين تنفيذ السياسات الجديدة والتزامات القطاع الخاص وإقباله على الشراكة الإستراتيجية مع الحكومة واستشعار دوره الوطني، هو المخرج الوحيد المتاح الآن، فالحكومة تتجه نحو التحرير الكامل لسعر الصرف بعد حين كما يبدو من مؤشرات هذه السياسات اذا امتلكت رصيداً وافراً من العملة الصعبة يصل الى أربعة مليارات دولار أو يزيد بزيادة إنتاج البترول وعائدات رسوم عبور ومعالجة بترول دولة الجنوب ، وزيادة انتاج الذهب ونجاح صندوق ( بريق ) في شراء المنتج منه ( شراء 24 طن في السنة ) من المنتج كله الذي لم يحدد رقم له حتي الآن ، بالاضافة الي الزيادة المتوقعة هذا العام من صادر الإنتاج الزراعي والحيواني التي ستبلغ بضعة مليارات .
> على السيد رئيس الوزراء مع اجتهاداته الملحوظة والموجبة في تنفيذ سياسات الدولة أن يتابع بحرص، أية خطوات ارتدادية حذر منها بنفسه قد تقود الى فشل هذه السياسات، أهمها الحزم والحسم في موضوع محاصرة السوق الموازي، وتحفيز القطاع الخاص بعد التراجع والتقاعس، والتشديد على الولايات بالتزام اقصي درجات المسؤولية بعدم فرض أية رسوم على الصادرات وخاصة الإنتاج الزراعي والحيواني، ومراجعة الرسوم الجمركية بغرض تخفيضها لتحقيق إيراد أكبر ولخفض أسعار السلع وتلك معادلة فشلت فيها ميزانية العام 2018م .
> في جانب آخر يدور الحديث كثيراً عن تشجيع وتحفيز المتغتربين لجذب أموالهم ومدخراتهم. فالحكومة بيدها القرار وتستطيع في لمح بالبصر أن تفعل ذلك في بعض الإعفاءات الجمركية لمرة واحدة فقط بإجراءات تتعلق بالاستثمار والأراضي والعقارات، ستجد أموال المغتربين وتحويلاتهم قد تدفقت بالفعل وتوفرت العملات الأجنبية التي تغطي جزءاً كبيراً من حاجة البلاد ..